جمال عبد الناصر والمواقف السوفيتية المؤيدة له ؟
م.م. إسراء محمدعلي عبدالكريم كسَاب 
 
تطورت علاقات مصر التي كانت في صراع مع (إسرائيل) ،مع الاتحاد السوفيتي بعد عقد صفقة الاسلحة التشيكيه  ، عندما لجأ عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي لتزويده بالسلاح بعد إن رفضت الولايات المتحده الطلب,فعقد صفقة تجارية مع تشيكوسلوفاكيا عام 1955بمباركة الاتحاد السوفيتي,وبذلك استطاعت مصركسر احتكارالسلاح الغربي وتقوية علاقاتها مع الدول الاشتراكيه .  
ثم وقف الاتحاد السوفيتي موقفا مؤيدا لمصرحينما ابدى الرئيس جمال عبد الناصر رغبته في تأميم قناة السويس ,اذ اكد الرئيس السوفيتي خروتشوف في الخطاب الذي القاه في الواحد والثلاثون من تموز (يوليو) لعام1956 على شرعية هذا الإجراء ,وابدى استغرابه من الموقف البريطاني – الفرنسي المتمثل بغضب الدولتين من القرار ورفضها له  ورأى انه لا يؤثر على مصالحهما ، ولابد من حل المشكلة بصورة سلمية دون اللجوء إلى القوة العسكرية،  فضلا عن ان الولايات المتحدة تخلت عن تمويلها لإقامة المشروع بحجة ان اقتصاد مصر لايتحمل مشروعا كبيرا كمشروع السد العالي اذ ان تكاليفه ومتطلباته تتجاوز مصادر مصر الاقتصادية, وبذلك بات الاتحاد السوفيتي هو القوة الوحيدة الداعمة لمشروع عبد الناصر, اذ قدم قرضا بمبلغ مائتي مليون دولار لتمويل المشروع، واشترطت الحكومة السوفييتية على مصر ان تسدد المبلغ بمنتوج القطن والارز المصري خلال ثلاثين سنة وبفائدة(2) %.
كان دعم عبد الناصر في انجاز مشروع بناء السد العالي خطوة موفقة جداً للإستراتيجية السوفييتية في الشرق الأوسط إذ نجح السوفييت في انتشال مصر من المشروع الأمريكي ، في مقابل اعتراف مصر بالصين الشعبية في 1956 انطلاقا من سياستها الاستقلاليه .ووقف الاتحاد السوفيتي موقفا مشرفا اخرا في ردع العدوان البريطاني- الفرنسي -الاسرائيلي على مصر، ردا على تأميم القناة فيما عرف بـ “العدوان الثلاثي” يوم التاسع والعشرين من تشرين الاول (اكتوبر) عام 1956 وفي اليوم التالي في الثلاثين من تشرين الأول شجب الاتحاد السوفيتي العدوان بإنذارشديد اللهجة موجه إلى دول العدوان ، وقدم طلب آخر إلى مجلس الامن من اجل اجبار الدول المعتدية على وقف عدوانها والانسحاب من الاراضي المصرية دون تأخير او شروط  الا ان فرنسا استخدمت حق النقض ( الفيتو ) ضد الطلب السوفيتي .
ونشطت الدبلوماسية بشكل غير مسبوق بتبرير الموقف السوفييتي بحزمة من الرسائل إلى دول حلف وارسو ودول عدم الانحياز ، إذ وجهت رسالة إلى رئيس الوزراء الهندي جواهرلال نهرو وأخرى إلى الرئيس الاندونيسي أحمد سوكارنو  تضمنت ضرورة ادانة هذه الدول للعدوان الثلاثي على مصر ، لان ذلك يعد خرقا لميثاق الامم المتحدة ومبادئ مؤتمر باندونغ*
،فضلا عن إرسال رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي رسالة عاجلة إلى حكومة الولايات المتحدة يقترح فيها اجراء مشترك لوقف العدوان على مصر فورا وجاء هذه الرسالة ” ان لدى الولايات المتحدة الامريكية قوات بحرية في البحر المتوسط ولدى الاتحاد السوفيتي كذلك بحرية قوية وطيران قوي والاستعمال المشترك والعاجل لهذه الوسائل بقرار من الامم المتحدة يمكن ان يكون ضمانا يعتمد عليه في ايقاف العدوان ضد الشعب المصري وضد دول الشرق العربي “.
وقد كان لوزارة الخارجية السوفيتية التأثير الكبير في تغيير مجرى الاحداث إذ أصدرت المذكرة السوفيتية التي سلمت لرئيس الوزراء البريطاني انتوني ايدن والتي تضمنت انذاراًسوفييتياً غير مألوف لبريطانيا جاء فيها ” لقد عزمنا ان نستخدم القوة لسحق العدوان ولإقرار السلام في الشرق ونأمل ان تظهر بريطانيا وفرنسا التعقل اللازم”. وفي السابع من تشرين الثاني(نوفمبر) عام 1956 قبلت دول العدوان وقف اطلاق النار وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة على ان يتم انسحابها من الأراضي المصرية بعد وصول قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة.  وهكذا نرى إن الإنذارات السوفيتية الموجهة ضد العدوان الثلاثي خلقت ذعرا حقيقيا في الولايات المتحدة ودعتها تتخذ موقفا اكثر جدية بشأن مصر التي كسبت للمرة الأولى في تاريخها وتاريخ الشعوب قضية مهمة كهذه إذ لايزال إخفاق تجربة الدكتور مصدق ماثلة في أذهان قادة الدول ممن يطمحون إلى تأميم منشآتهم.
استطاع الاتحاد السوفيتي بموفقه المساند لمصر ان يكسب اعجاب وصداقة حركات التحرر الوطني في كثير من بلدان اسيا وافريقيا واستطاعت مصر تحقيق امانيها الوطنية بعد احباط العدوان الثلاثي , واستطاعت أيضاً كسر احتكار الدول الغربية للتسليح في المنطقة العربية التي اصبحت مرتبطة بالاتحاد السوفيتي وما يعنيه ذلك من ضرورة وجود خبرات سوفيتية للتدريب وما يؤدي اليه من احتكاك اكثر بين السوفييت وشعوب المنطقة . وبمرور الوقت تمكن الاتحاد السوفيتي ان يكون له اسطولا في البحر المتوسط بمواجهة الاسطول السادس الامريكي ، يعتمد على خدمات يمكن أن تقدمها موانئ مصر وسوريا.
* مؤتمر باندونغ : عقد المؤتمر في اندونيسيا في الثامن عشر من نيسان (ابريل ) 1955 واستمر لمدة ستة أيام , وكان النواة الأولى التي أنشأت حركة عدم الانحياز وشارك فيه الرئيس جمال عبد الناصر فضلا عن رئيس وزراء الهند ورئيس يوغسلافيا 


شارك هذا الموضوع: