شعر المناسبات في الأدب العربي
بقلم نوال حسن ساجت
هو الشعر الذي ينظمه الشاعر في مناسبة معينة كاحتفال بتتويج ملك، أو لتخليد حدث اجتماعي أو تاريخي، وقد تكون المناسبة شخصية ويدخل شعر الإخوانيات والتهنئة ضمن شعر المناسبات وقد يكتب الشاعر هذا الشعر إما بدافع شخصي وإرادة حرة أو استجابةً لتكليف رسمي.
فللشعر – مثلما لكل أثر أدبي آخر- مناسبات: فتارة تكون هذه المناسبة ظرفاً خاصاً بحياة الأديب، لا يمكن الإحاطة بحقيقتها إلا من خلال ما يجود به الشاعر من مشاعر وأفكار، وتارة تكون ظرفاً عاماً ينتهز فيه الشاعر ذلك الموقف والحدث الذي لا يجوز له في عرف التاريخ أن يتكرر، ليخلد كلماته على صفحات الزمن .
فيراد بهذا الشعر المناسبات الشعرية بمعناها الواسع من مناسبات سياسية، واجتماعية، وثقافية، وليست المناسبات الشعرية الضيقة النطاق التي تعنى بالأندية، والمحافل الأدبية، التي كثيراً ما تنكر لها بعض الباحثين؛ لأنّها في رأيهم تقل فيها القيمة الفنية، وإنها لا تعد من التجارب الصادقة، ولا تكشف عن أغوار القلب الانساني؛ كونها لا تعتمد صدق الشاعر، لأنه يجعل من الشعر مهنة أو دعاية عمادها خلق مشاعر لمجاراة شعور الآخرين، ويفرضها ذلك الفراغ الكبير.
ومثلما يرون بأنه يدور حول نقطة رتيبة واحدة كأن الزمان جمد بصاحبها، لتغدو معه القصيدة جزءاً من التاريخ محصورة في إطار الحدث الماضي، لا تستطيع التمدد خارجه، والشاعر فيها لا يعمل على جعل وازعه استلهام الدوافع العليا لقول الشعر، لذا فقد شُنت على هذا الشعر حملات نقدية لاذعة لأنه في نظر من شنها قلّ أن يصدر عن انفعال حقيقي، أو إحساس صادق بالمناسبة.
ولكن بدراستنا لشعر المناسبات يتضح لنا أن هذه الآراء وان كان فيها شيء من الصحة تصدق على بعض المناسبات الشعرية إلا أن أكثرية شعر المناسبات ما ينافي ويخالف هذه الآراء كون الشعراء في أغلب شعر المناسبات عاشوا تلك التجارب والحوادث، وغاصوا في أعماق أنفسهم يتأملون ويسجلون الحقائق والانفعالات والمشاعر الصادرة حيالها، فكانت هذه المناسبات دوافع للشعراء لقولهم الشعر، فكونوا عبرها صوراً فنية وجدنا فيها مشاعر وانفعالات الشعراء تجاه أغلب الأحداث واضحة جلية، سواء كانت تلك المناسبات التي هزت الأمة من نكبات، وتحرير مدن؛ إذ جاء الشعر فيها ينماز بحرارة العاطفة وصدق المشاعر، لأن الشاعر قد تفاعل مع تلك الأحداث الجسام، والتي من المستحيل أن تكون عواطف الشعراء وانفعالاتهم بمعزل عنها، أو المناسبات الاجتماعية التي كونتها علاقات الود والجفاء بين الأشخاص، فعبرت عن كوامن نفوس الشعراء وانفعالاتهم تجاه تلك المواقف والأحداث التي عايشوها لأن المعاناة الذاتية هي التي تبث في الأدب حرارة العاطفة وعمق الانفعال، أما المناسبات الثقافية فنقلت فرحة الشعراء وسرورهم بمناسبة تحقيق بعض الإنجازات الثقافية، فقد تفاعل الشعراء مع مثل هذا النوع من المناسبات التي وجدوا فيها ما يحقق مطالبهم ومطامحهم في الرقي بمستوى الأمة، وما فيها من تعزيز لمكانتهم العلمية والأدبية، وهذا لا ينافي وجود بعض المناسبات الشعرية التي لا يلحظ فيها تلك العاطفة الصادقة والانفعال الواضح، فضلاً عن طغيان النثرية على بعض أجزائها، كالمناسبات التي كان غرضها استدرار الأموال من السلاطين.
مع التنبيه على أن شعر المناسبات ليس على مستوى واحد من الفنية والجدّة، بل يختلف من شاعر إلى آخر، وباختلاف المناسبة نفسها، والذي يحدده ويسمو به هو عمق تأثير المناسبة في نفس الشاعر، ومقدار تفاعل الشاعر معها، فتصدح لها حناجر الشعراء معبرة عن خلجات نفوسهم، وناقلة لآرائهم، ومواقفهم التي يتبنونها تجاه مختلف الوقائع والأحداث.