العربية من منظور تداولي
عندما نطلق كلمة ” العربية ” فإنَّ الذهن ينصرف إلى اللغة العربية الفصيحة التي نُظمت بها القصائد ودُبجت بها الخطب ونزل بها الكتاب الخالد ” القرآن الكريم ” ، وعندما نطلق لفظ التداولية أو اللغة المتداولة فإنَّنا نعني بها اللغة المستعملة على ألسنة الناس في حياتهم اليومية ، فهي لغة التواصل المستعملة ، وبطبيعة الحال فإنَّ اللغة المستعملة على ألسنة الناس هي لغة عربية عامية وليست لغة عربية فصيحة ، أي إنها لغة لها خصائص مستقلة تختلف عن خصائص اللغة العربية الفصيحة والتي تمثل لغة القرآن الكريم .
ومن هنا يمكن القول – اجمالا – إنَّ اللغة العربية ليست لغة تداولية فهي غير مستعملة من قبل المتكلمين العرب في حياتهم اليومية .
أما تفصيلا فيمكن أن تُدرس اللغة العربية دراسة تداولية أو ما يسمى مقاربة تداولية فكثير من النصوص اللغوية التي وصلتنا عن القدماء نجدها مكتنزة تداوليا ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما ورد من نصوص في سفر العربية الخالد ” كتاب سيبويه ” ، وذلك في نحو قوله في باب الفعل المستعمل اظهاره في غير الامر والنهي : ” ولو رأيت ناساً يَنظرون الهِلالَ وأنت منهم بَعيدٌ فكبَّروا لقلتَ : الهلالَ وربَّ الكعبةِ ، أي أَبَصروا الهلالَ “
فالناظر في النص يجده مكتنز تداوليا ففيه عناصر الخطاب الثلاثة ، فضلا عن المرتكزات التداولية الاساسية أعني : الإشاريات ، والأفعال الكلامية ، ومتضمنات القول ، والاستلزام الحواري .
كما نُلمح إلى أنَّ بعض الآيات القرآنية الكريمة وبعض الأبيات الشعرية جرت على السنة الناس مجرى المثل فصارت تستعمل بالمفهوم التداولي المعروف أعني أصبحت جزءا من الكلام اليومي الجاري على ألسنة الناس ومن ذلك قوله تعالى : ” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ” ( الرعد : 11 )
فكثير ما نسمع استعمال هذه الاية المباركة في سياقات خاصة ؛ إذ جرت هذه الآية المباركة على ألسنة العامة والخاصة من الناس ، فبعض المستعملين لهذه الآية لم يقرأوا القرآن الكريم ، ولعلَّ بعضهم لا يعلم إنَّ هذه المقولة هي آية قرآنية ولكنَّه يستعملها من باب الموروث الثقافي الذي أكتسبه من المجتمع .
وكذلك بعض الأبيات الشعرية التي جرت على ألسنة العامة مجرى المثل ، فهي متداولة في مجتمعنا العربي ، ومن ذلك قول الشاعر :
ومَن يصنع المعروفَ في غيرِ أهلِهِ يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر
وقول أبي الطيب :
ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ