نظرية التواصل 
تعد نظرية التواصل التي تنسب إلى رومان جاكبسون من أهم النظريات اللسانية الحديثة، إذ شغل التواصل حيزا كبيرا من تفكير الباحثين في اللغة ، فهم في محاولتهم خلق نظرية تطبيقية لعملية التوصيل كانوا يتجهون إلى منهج يعتمد على تحليل الرسالة اللغوية وذلك طبقا للعناصر الدلالية والجمالية للفتها والتواصل اللغوي على وفق هذه النظرية مكون من ستة عوامل هي:
1- الرسالة : وهي العنصر الأساس في نظرية التواصل عند جاكبسون ، والمقصود بها مضمون ما قاله ونقله المُرسِل ( المتكلم ) من معلومات إلى المُرسَل إليه.
2 المُرسِل أو المتكلم : يعد أيضا من العوامل الأساسية في العملية التواصلية ؛ فهو الذي ينتج الرسالة، ويبعثها إلى المُرسَل إليه، ومما هو جدير بالذكر أن مصطلح ” مُرسِل ” لا يطلق على الأشخاص وحدهم ، إنما على الأجهزة أيضا ، فعلى سبيل المثال المذياع يعد مرسلا : فهو يرسل إشارات ذات دلالات لغوية معينة .
3- المُرسَل إليه : هو الطرف الذي يستقبل الرسالة ، وهو ركن أساس في العملية التواصلية، فضلا عن ذلك فهو يقوم بمهمة أخرى تتمثل في فهم الرسالة ، وفك رموزها وتأويلها .
4- قناة الاتصال : مما هو معروف أنَّ أي رسالة بها حاجة إلى قناة تمر عبرها ، وهذه القناة تمثل صلة الوصل بين المُرسِل والمُرسَل إليه، ومن مهامها إنشاء الاتصال والحفاظ عليه قائما .
5- السنن أو الشيفرة : هي مجموعة العلامات المركبة والمرتبة في قواعد ، يستعين بها المُرسِل في تكوين رسالة ، ولا يمكن للمُرسَل إليه أن يفهم هذه المجموعة من العلامات إلا إذا كان لديه المعجم اللساني نفسه الموجود لدى مرسل الرسالة، وهذا يعني أن السنن أو الشيفرة هي أمر مشترك بين المرسل والمرسل إليه.
6- السياق : لا بد لكل رسالة من سياق معين نظمت فيه ، ولا يمكن فهم مكوناتها ، أو تحليل رموزها وسننها إلا بالرجوع إلى السياق الذي قيلت فيه ؛ لفهم الملابسات والأجواء التي أدت إلى تأليف الرسالة على هذه الطريقة أو تلك .
إن هذه العناصر في نظرية التواصل عند جاكبسون تعمل متماسكة متآلفة ، ويكون الاتصال بين الناس عبر نظام العلامات الذي يتفق عليه بين أفراد البيئة اللغوية المحددة.
وهذه الأركان الست التي وقف عليها جاكبسون هي تمهيد وتوطئة وضعها ليصل منها إلى ما هو بيت القصيد في نظرية الاتصال، أي إلى الوظائف التي تنتج عن هذه العناصر الستة في العملية التواصلية، فاللغة من خلال العناصر الستة تحقق وظائف ستة ، هي :
1 – الوظيفة التعبيرية أو الانفعالية : عندما يكون تركيز الرسالة منصبا على المُرسِل ، فإنَّ الوظيفة التي تنتج هي الوظيفة التعبيرية ، وأكثر ما تكون هذه الوظيفة في الرسالة المملوءة بشحنات انفعالية وعاطفية للمتكلم ؛ فهو يعبر عن انطباعه وانفعاله في شيء ما، ويكثر في هذه الوظيفة استعمال الضمائر الشخصية أي ضمائر المتكلم مثل ” أنا ” .
2- الوظيفة الشعرية : تتعلق هذه الوظيفة بالرسالة نفسها، والمقصود هنا هو الرسالة باعتبارها حاملة للمعنى؛ إذ إن كل رسالة لفظية لا بد من اشتمالها على هذه الوظيفة ، لكن بدرجات مختلفة، وتكون هيمنتها على الشعر أكثر.
3- الوظيفة الانتباهية : تتصل هذه الوظيفة بقناة الاتصال ، وهدفها هو تأكيد الاتصال والحفاظ عليه ، وأحيانا يكون الهدف إيقاف الاتصال ، وتحقيقا لهذا الهدف تستعمل تعابير وأساليب متداولة في الحياة اليومية ومشتركة بين أفراد المجتمع.
4- الوظيفة الإفهامية : ترتبط هذه الوظيفة بالمُرسَل إليه “المتلقي” ، وتكثر فيها ضمائر المخاطب ، ومن أفضل الأمثلة على هذه الوظيفة القصائد والكتابات التي تعالج موضوعات كالثورة والانتفاضة ، فهذا النوع من الأدب يقوم على مخاطبة الآخر ويحاول التأثير فيه ، وإقناعه وإثارته ، ومن الملاحظ كثرة أساليب الأمر والنداء في هذه الوظيفة.
5- الوظيفة المرجعية : هذه الوظيفة قاعدة كل اتصال: إذ إنها تحدد العلائق القائمة بين الرسالة وبين السياق أي الموضوع الذي ترجع إليه، وقد سماها جاكبسون بالمرجعية الوظيفية والمعرفية ، وغاية هذه الوظيفة تكمن في صياغة معلومة صحيحة عن المرجع ، وينبغي أن تكون موضوعية فضلا عن ذلك يمكن ملاحظتها والتأكد من صحتها ، وتغلب على هذه الوظيفة ضمائر الغائب.
6- وظيفة ما وراء اللغة : ويطلق عليها أيضا اللغة الواصفة ، وهي وظيفة ترتبط بالسنن وهذه الوظيفة مختلفة عن باقي الوظائف الأخرى؛ لأنها تملك كفاية تفسيرية قادرة على وصف اللغة نفسها، وعلى هذا فهي وظيفة ميتا لسانية أي: وظيفة شرح وتوضيح
وهذه الوظائف وعوامل التواصل لها أبعاد في التراث اللغوي العربي ولاسيما في علمي النحو والبلاغة العربية فالكلام عند النحاة يحمل عوامل التواصل مع كثير من الوظائف . كما أن النحاة فرقوا بين الوظيفة النحوية والوظيفة التواصلية التي تؤديها بعض الأدوات ، ونجد عوامل التواصل مع وظائفه مبثوثة في البلاغة العربية لاسيما المثلث التواصلي الذي ذكره جاكبسون .
وتجدر الإشارة إلى أن النظرية التواصلية وإن كانت تنسب إلى جاكبسون إلا أن البدايات الأولى لها نلمحها عند سوسير في حديثه عن الدائرة الكلامية ، ثم جاء الباحث النفسي الالماني كارل بوهلر مبينا عمل سوسير ومكملا له ، فذكر ثلاثة محاور تقوم عليها العملية التخاطبية وهي : المُرسِل الذي تتولد عنده الوظيفة الانفعالية. والمُرسَل إليه الذي تتولد عنه الوظيفة الإفهامية والموضوع الذي تتولد عنه المرجعية.

شارك هذا الموضوع: