الوسيط المعلوماتي الإلكتروني
تختلف المنظومةُ المعلوماتيةُ في مراحلِ نموِّ الإنسان وذلك لتغيُّرِ محيطه وبيئته ومعطيات الحياة، وقد فصَّل العالم سيجموند فرويد مراحل النمو المعرفي لدى الطفل على خمسة أقسام: المرحلة الفمية – المرحلة الشرجية(الإستيَّة) – المرحلة القضيبية – مرحلة الكمون – مرحلة الحذر.
ومن ثمَّ تبدأ الحواس الخمسة لدى المراهق والشاب كأدوات للاكتشاف المعرفي عبر وسائطٍ ناقلة للمعلومات، فمن الوسائط المرئية القديمة : الألواح ، مثل الألواح الطينية قديماً، والواح السبورة في العصر الحديث، والوسيط الناقل الورقي المتمثِّل بالكتب والمجلات والصحف والدوريات.
لقد كان الوسيط الناقل الالكتروني مبسَّطاً ذا استعمالاتٍ محدَّدةٍ ومقنَّنة، فتمرُّ المعلومات في ضوئهِ ضمنَ مساراتٍ مُعدَّة ومؤدلجة مُسبقاً، ومثال ذلك: شاشة التلفاز، وإذاعات الراديو، فمِن الألواح الطينية إلى الجلود والأوراق إلى الشاشة الزرقاء تمتدُّ مراحل تطوُّر وتعقيد الوسيط الناقل.
يذكر الدكتور ابراهيم الفقي في كتابه (قوة التحكُّم بالذات) عن أثر التلفاز في تأثير بشخصية الشباب والمراهقين في دراسة أكاديمية أجريت في الولايات المتَّحدة الأمريكية عن مشاهدة التلفاز لدى الشباب والمراهقين فوجدت أن الوقت الذي يقضى في المشاهدة هو 39 ساعة أسبوعيا، فإذا رأى الشاب المراهق تصرُّفاً أو ملبساً معيناً مِن مطربِهِ أو ممثِّلهِ المفضَّل فإنَّهُ سيقوم بتقليده، وكشفت الدراسة عن إحدى المطربات المشهورات في أميركا قد ارتدت في حفلةٍ لها ثوباً معيناً وفي اليوم التالي وجدت الإحصائية أكثر من 50 ألف فتاة ترتدي موضة الثوب نفسه.
يبدو أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي من (الفيسبوك، التويتر، واتساب، ويجات، تانكو..إلخ) تشكِّل بؤرة الوسيط الالكتروني الناقل للمعلومات، ويشهد هذا الوسيط إقبالاً واسعاً في مختلف الفئات العمرية تصل إلى حد الهوس، فيقضي الفرد معدل (4-2) ساعة يومياً وهي نسبة ضئيلة جداً إذا ما قورنت بالواقع الذي يتجاوز 13 ساعة يومياً.
ويبدو أنَّ أغلب الآباء والأمهات الذين اعتادوا على الوسائط الناقلة الورقية أو التلفاز لم يحبِّذوا قضاء الوقت لساعاتٍ في التصفُّح، ممَّا تبلورت لديهم مجموعة من المخاطر الموهومة التي تؤدي إلى حجب أو تسفيه أبنائهم وبناتهم ، ذلك لأنهم يمكثون لساعات طوال امام الفيسبوك أو التويتر وما شاكل ذلك.
يمكن القول إنَّ المدى المعرفي المنقول بواسطة الفيسبوك هو أكثر من الوسائط الناقلة الأخرى؛ فالزخم الهائل من الأخبار والثقافات المتعدِّدة تمكِّن الفرد من الإحاطة بالدراية والمعلوماتية العالمية ، بل وتجعل الفرد جزءاً من هذه المنظومة المعرفية ، فيحق له أن يكتبَ وينشر ويحاور من دون تكميم الأفواه أو أجهزة القمع الفكري، فمسألة إنكار التطوُّر المعرفي صعبٌ وأنت ترى كل شيءٍ يجري حولك ، فتصمِّم قناتكَ الثقافية والمعرفية في ذهنك من غير الحاجة إلى كونترول كما في القنوات التلفزيونية.
إنَّ مِن أهمِّ ما يُثار حول الوسيط الجديد ( الالكتروني) هو قضاء الوقت في موضوعات (تافهة مثلما نعتتها الأجيال السابقة) فتجد الفتاة تحت اسم مستعار وتكتب مثلا : كبريائي سرُّ أنوثتي، أو وحيدة كالقمر، أو تنشر صوراً لممثلة أو لوليمة طعام مثلا، ومثل هذه المنشورات يرونها غير مفيدة وهادفة إلى غير ذلك.
للوهلة الأولى يمكنُ عدَّ هذه المنشورات غير مفيدة ، ولكن لو استقصينا الخوض في العلوم النفسية نجد ذلك نوازع نفسية مكبوتة وحاجات للذات البشرية يمكن تنفيسها عن طريق النشر والتعليقات (الكومنت)، ويلحظ ذلك في تألُّم أو غضب الناشر إذا كانت علامات الإعجاب قليلة (لايكات) ذلك لأن الشعور بالوَحدة وغربة الفرد الداخلية جراء الكبت تجعله يودُّ لو يستمع إليه الآخرون ويشاركونه كلامه.
وعلى هذا الأساس كان لابدَّ من الجانب الأدبي أن يواكب هذا التطوُّر في الوسائط الناقلة، فبرزت القصيدة التفاعلية الرقمية لرائدها الدكتور مشتاق عباس معن، وهي شكل من أشكال الشعر الحديث الذي يمازج بين الإبداع الشعري وتقنيات الحاسوب، فهي ليست نصاً مكتوباً بل تجربة تفاعلية تلتقي فيها المحاور الثلاثة: القصيدة والوسيط الالكتروني والمتلقي الذي يسهم في تشكيل النص، فتستعمل الكلمات والصور والفيديوهات والرسوم المتحركة لخلق الإبداع الشعري.
وفي الخاتمة إنَّ الموبايل والحاسوب هم وسائط ناقلة للمعلومات الثرية، وهم كمائدة الطعام الممتدَّة فخُذ ما تشتهي وتكتفي واترك الباقي للآخرين.