التحولات السياسية في سوريا وأثرها على سوق الطاقة
د. نور حسين الرشدي
ان التحولات السياسية التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد وما شهدته من احداث لا زالت للان الصورة غير واضحة المعالم ولا زال المشهد السوري يسوده الضباب بالنسبة للأوضاع الداخلية والسياسة الخارجية وخاصة في الكثير من الملفات ذات البعد الاستراتيجي ومن بينها ملف الطاقة، حيث تُعد سوريا جزءًا من الشرق الأوسط وهو منطقة حيوية لإنتاج وتصدير النفط. على الرغم من أن إنتاج سوريا من النفط ليس كبيرًا مقارنة بالدول المجاورة، فإن موقعها الجغرافي ودورها في الصراعات الإقليمية والدولية يجعل أي تغيير سياسي فيها عاملاً مؤثرًا على أسواق النفط، ويمكننا ان نبين ذلك من خلال النقاط التالية :
أ) موقع سوريا الجغرافي وتأثيره على أسواق الطاقة:
     تقع سوريا في موقع استراتيجي بين الدول الغنية بالنفط والغاز (مثل العراق وإيران والخليج) وبين الأسواق الأوروبية ،وان أي تحسن في الوضع السياسي قد يفتح الباب أمام مشاريع خطوط أنابيب جديدة لنقل النفط والغاز، مما قد يؤثر على تدفق الطاقة وأسعارها عالميًا.
ب) الأزمات السياسية في سوريا وتأثيرها غير المباشر:
 الأزمات السياسية والعسكرية في سوريا تزيد من مخاطر التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط نتيجة المخاوف من تعطل الإمدادات ومثال ذلك التصعيد بين القوى الإقليمية (مثل إيران وإسرائيل) على الأراضي السورية يرفع من مستوى القلق العالمي بشأن استقرار الإمدادات النفطية من المنطقة.
ج) دور التحالفات الدولية ومن اهمها التدخل الروسي والإيراني في سوريا، حيث ان روسيا وإيران دولتان رئيسيتان في سوق النفط، وأي تصعيد أو تغييرات في التحالفات نتيجة التحولات السياسية السورية قد يؤثر على إنتاجهما النفطي أو سياساتهما في السوق.
اما بالنسبة للخليج فأن أي تحولات تؤدي إلى مواجهة أو توافق بين هذه القوى حول سوريا قد تؤثر على استقرار أسواق النفط.
ويمكننا طرح عدة سيناريوهات للتحولات السياسية وتأثيرها على اسوق النفط ومنها :
السيناريو الأول: هو في حالة حدوث استقرار سياسي في سوريا، نتيجة أي تسوية داخلية أو دولية، فقد يؤدي ذلك إلى:
  • تحفيز مشاريع الطاقة مثل إنشاء خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز من الخليج أو إيران عبر سوريا إلى البحر المتوسط.
  • تهدئة المخاوف الجيوسياسية مما قد يساهم في خفض أسعار النفط على المدى الطويل.
اما السيناريو الثاني هو في حالة عدم الاستقرار فاذا استمر الصراع السوري أو تصاعد، فقد يؤدي ذلك إلى:
  • ارتفاع أسعار النفط نتيجة القلق من توسع الصراعات لتشمل دولًا منتجة كالعراق أو الخليج.
  • زيادة المخاطر الجيوسياسية مما يؤدي إلى تقلبات حادة في السوق بسبب المضاربات.
ومن الممكن ان تؤثر هذه التحولات على مشاريع الطاقة الإقليمية من خلال:
  • دعم أو تعطيل مشاريع طاقة إقليمية كبيرة.
  • خط أنابيب الغاز الإيراني-السوري الذي يهدف إلى نقل الغاز الإيراني إلى البحر المتوسط.
  • الخطوط المستقبلية: التي قد تربط النفط والغاز الخليجي بأوروبا عبر سوريا.
ويمكننا تتبع المراحل التي مرت فيها الازمة السورية وكيف اثرت على أسعار النفط.
  1. خلال بداية الصراع (2011-2013) : لم يكن للصراع السوري تأثير كبير على أسعار النفط في البداية لأن سوريا ليست منتجًا رئيسيًا، لكن المخاوف من توسع الصراع إلى الدول المجاورة رفعت الأسعار بشكل طفيف، ومثال ذلك التوترات بشأن التدخل العسكري الغربي بعد استخدام الأسلحة الكيميائية أثرت على الأسواق.
  2. التدخل الروسي في العام 2015الذي زاد من تعقيد الأزمة، لكنه في الوقت نفسه عزز من قدرة روسيا على استخدام نفوذها في سوريا كأداة ضغط في سوق النفط.
أما التحديات الإقليمية وتأثيرها على النفط بالنسبة لإيران فأن أي تغييرات سياسية في سوريا تؤثر على إيران، التي تستخدم سوريا كممر رئيسي لدعم حلفائها في المنطقة تصاعد التوترات مع إيران قد يهدد مضيق هرمز، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط اما بالنسبة لإسرائيل فان الغارات الإسرائيلية على أهداف داخل سوريا لاحتواء النفوذ الإيراني تزيد من المخاطر الجيوسياسية اما بالنسبة لتركيا فان تدخل تركيا في الشمال السوري وتأثيرها على التوازن الإقليمي قد يزيد من تعقيد المشهد، مما يرفع القلق في أسواق الطاقة.
وخلاصة ذلك فان التحولات السياسية في سوريا تؤثر على أسعار النفط بشكل غير مباشر من خلال تأثيرها على استقرار المنطقة والعلاقات بين القوى الإقليمية والدولية، ان الاستقرار في سوريا قد يفتح الباب أمام مشاريع طاقة استراتيجية تخفض الأسعار على المدى الطويل، بينما استمرار الصراع قد يؤدي إلى تقلبات وارتفاعات كبيرة في الأسعار بسبب المخاوف من انتشار التوترات في الشرق الأوسط.

شارك هذا الموضوع: