عرف خبراء منظمة الصحة العالمية تلوث الهواء Air pollution بأنه الحالة التي يكون فيها الجو خارج أماكن العمل محتويا على مواد بتركيزات تعتبر ضارة بالإنسان أو بمكونات بيئته . وعلى ذلك يقصد بتلوث الهواءانطلاق الغازات المختلفة ، والمواد الصلبة الدقيقة ، والسوائل المتناثرة إلى الغلاف الجوي بمعدلات عالية تتجاوز قدرة البيئة على تبديدها ، أو تخفيفها أو امتصاصها ، وقد تسبب تراكيز هذه المواد في الهواء العديد من المشاكل الصحية ، والاقتصادية ، وبعض المشاكل الجمالية غير المرغوب فيها . إن ظاهرة تلوث الهواء ليست جديدة وتعود إلى العصور الوسطى ، إذ سبب الدخان الكثيف الناجم عن حرق الفحم مشكلة خطيرة في لندن ، ففي عام 1307 م ، حظر الملك إدوارد الأول استخدام الفحم في أفران الجير ، وفي الآونة الأخيرة حصلت العديد من الحوادث المأساوية الأخرى ، كما حدث في كارثة 1930 م في بلجيكا ، حيث توفي 36 شخصا خلال 5 أيام بسبب اندماج غاز ثاني أكسيد الكبريت والجزيئات الدقيقة مع الرطوبة النسبية العالية ، وفي عام 1948 م في بنسيلفانيا تسببت ظروف مماثلة في وقوع حادثة أخرى أدت إلى وفاة 20 شخصا خلال 5 أيام
مصادر تلوث الهواء
اولا : المصادر الطبيعية لتلوث الهواء : وهي المصادر التي تنجم عن الطبيعة دون تدخل الإنسان فيها ، وهي إما أن تكون صلبة ، أو سائلة أو غازية ، وتنحصر مصادر التلوث الطبيعي للهواء بالآتي :
البراكين : البراكين وفي أثناء ثورانها تتطلق منها غازات ومواد صلبة إلى الجو ، ويمكن لهذه المواد الصلبة الدقيقة أن ترتفع إلى مسافات بعيدة قد تصل إلى طبقة الاستراتوسفير ( حوالي 50 كم عن سطح البحر ، وهي بذلك تمثل أحد العوامل الطبيعية الهامة التي تتسبب في تلوث البيئة بشكل عام ، لأن المواد البركانية المنشا تبقى عالقة في الجو فترة طويلة من الزمن ، وهذه الفترة كافية تماما لأن تنتقل هذه الملوثات وتنتشر فوق مساحات كبيرة من الكرة الأرضية بواسطة الرياح ، كما أن بعض الحمم التي تطلقها البراكين ، قد تحتوي على نسبة عالية من الكبريت المنصهر ، ويحتوي بعضها على الغازات الذائبة فيها ، مثل : غاز كبريتيد الهيدروجين ، أو غاز ثاني أكسيد الكبريت ، وفي بعض الأحيان قد تحتوي على غاز كلوريد الهيدروجين ، وهذه الغازات حمضية التأثير ، لذا فهي شديدة الضرر بالبيئة ، وعندما تذوب في مياه الأمطار تلوث المجاري المائية ، وترفع من درجة حموضتها ، كما وترفع من درجة حموضة التربة المجاورة لها ، وتدمر ما بها من محاصيل ضافة إلى الغازات المنبعثة في الجو من الانفجار البركاني ، تنطلق أيضا كميات ضخمة من الذرات البركانية الصلبة ، وخاصة الغبار الناعم ، وتقدر هذه الكمية بآلاف الأطنان ، وتبقى عالقة في الجو عدة أشهر مؤثرة بذلك على الإشعاع الشمسي ، وبالتالي على درجة حرارة سطح الأرض.
الرياح والعواصف : تلعب الرياح والعواصف دورا هاما في تلوث الهواء لما تحمله من تراب ، وغبار ، ورمال ، ويبدو دوره واضحا في المناطق الجافة ، والأراضي القاحلة ، حيث تقوم الرياح المصاحبة للعواصف والتي تنطلق غالبا بموازاة سطح الأرض بحمل كميات هائلة من الرمال من سطح التربة الصحراوية ؛ وذلك لأنها لا تجد أمامها عائقا يمنعها ، كما لا توجد نباتات تحمي هذه التربة وتؤدي إلى تماسكها ، وقد تحمل الرياح هذه الرمال والأتربة إلى مسافات بعيد جدا لتسقطها في النهاية على المدن والأراضي الزراعية وقد تدمر ما بها من محاصيل . ومن أمثلة الرياح التي تؤثر في تلوث الهواء رياح الخماسين ، والتي تهب على شمال مصر في بداية الصيف من كل عام .
الحرائق : كثيرا ما تتعرض مناطق الغابات وأراضي الحشائش في بعض أيام أشهر الصيف الحارة والجافة إلى حرائق تأتي على آلاف الأشجار والشجيرات ، وعلى مساحات كبيرة من أراضي الحشائش ، وهي بذلك تطلق الدخان إلى الجو على شكل غيوم سوداء كثيفة ، قد تصل إلى طبقة التربوسفير ، ينتج عن هذه الحرائق انطلاق كميات ضخمة من الغازات المختلفة ، مثل : غاز ثاني أكسيد الكربون ، أول أكسيد الكربون ، أكاسيد الآزوت ، إضافة إلى جزئيات الرماد الدقيقة التي تنطلق إلى الجو والتي تؤدي إلى تلوث الجو بشكل واضح . ولعل من أشهر الحرائق في العصر الحديث ما شهدته غابات التايغا ” في سيبيريا في الأيام الأخيرة من شهر أبريل ۱۹۸۷ م ، والذي استمر مدة تزيد على خمسة عشر يوما ، والذي قضى على مساحات شاسعة من الغابات حوالي ( ۳۵۰۰۰ هکتار ) وأطلق آلاف الأطنان من الملوثات إلى الهواء .
حبوب اللقاح : غلبا ما تكون في فصل الربيع ، وهو فصل ازهار معظم أنواع الأشجار ، والنباتات ، وهذه تتطلب تلقيحا قد يكون ذاتيا ، أو غير ذاتي عن طريق انتقال حبوب اللقاح هذه من أشجار إلى أخرى ، وهذا يجعل الهواء مليء بهذا الغبار الذي يؤدي إلى نوع من الحساسية لدى بعض الناس ( مرض الحساسية الربيعي ) ،
ثانيا- المصادر البشرية : – تعد أكبر مساهمة في تلوث الهواء في وقتنا الحاضر هي التي تأتي عن طريق تأثير الإنسان ، ومنها :۔
انبعاثات الوقود الأحفوري : – يعد احتراق الوقود الأحفوري مثل النفط ، والفحم أحد المسببات الرئيسية لتلوث الهواء ، التي تستخدم عادة في محطات توليد الطاقة ، والمصانع ، والأفران ، ومحارق النفايات ، وأجهزة التدفئة التي تحتاج إلى حرق الوقود كي تعمل ، ووفقا لاتحاد العلماء المهتمين ثمثل انبعاثات الغازات الدفينة التي تنتج من الصناعة ما نسبته 21 % في الولايات المتحدة ، وأظهرت دراسة أقيمت عام 2013 م أن النقل ينتج أكثر من نصف كمية أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين ، واكثر من ربع كمية الهيدروكربونات التي تنطلق في هواء الولايات المتحدة
الزراعة وتربية الماشية : تنتج الغازات الدفيئة من الزراعة وتربية المواشي بسبب عدة عوامل أحدها إنتاج غاز الميثان من الماشية ، والآخر من إزالة الغابات ، وهما سببان مرتبطان ببعضهما البعض ، حيث تتطلب الحاجة إلى المراعي إزالة الأشجار التي تستهلك الكربون وتنظف الهواء ، وبالاعتماد على تقرير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية تمثل الزراعة 24 % من الانبعاثات السنوية للغازات الدفيئة ، وهذا التقدير لا يشمل غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تزيله الأنظمة البينية من الغلاف الجوي .
النفايات : – من الشائع أن مكبات النفايات تطلق غاز الميثان الذي يعد من الغازات الدفينة الرئيسية ، وتتناسب الزيادة في كمية النفايات طرديا مع النمو السكاني المتزايد ، الأمر الذي يتطلب زيادة في أماكن الدفن البعيدة عن البيئات الحضرية ، ويدرك علماء البيئة أن الأرض لديها العديد من الطرق للتنظيم الذاتي ، وعندما يتعلق الأمر بالغلاف الجوي فإن هذه الآليات تستهلك الكربون والملوثات الأخرى بما يضمن بقاء نظامه البيني متوازنأ ، لكن لسوء الحظ إن تأثير الإنسانية المتزايد على كوكب الأرض يهدد بتغيير هذا التوازن بشكل مستمر ، ما يسبب إنتاج الأمطار الحمضية ، والضبخان ، ويزيد من حدة ظاهرة الاحترار العالمي ، كما يسبب العديد من الأمراض التي تؤثر في صحة الكائنات الحية