“الأمل وسط الأنقاض: تداعيات حرب لبنان”
تصاعد التوترات بين إسرائيل وحزب الله على الحدود اللبنانية منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بات لبنان في مواجهة أزمة متعددة الأبعاد. تتشابك هذه الأزمة مع الحرب الدائرة في غزة، مما يجعل المشهد أكثر تعقيدًا، حيث أصبح لبنان ساحة محتملة لتوسيع رقعة الصراع. في هذا السياق، تتداخل التداعيات الأمنية والعسكرية مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية القائمة، مما يهدد استقرار البلاد في ظل غياب حلول سياسية حقيقية.
١-التداعيات الأمنية والسياسية:
ان الحرب بين إسرائيل وحزب الله ليست مجرد مواجهة عسكرية حدودية، بل هي جزء من سياق إقليمي ودولي واسع. مع تصاعد العمليات العسكرية، تغيرت طبيعة المواجهة لتشمل استخدام أسلحة متطورة من قبل حزب الله، مثل الطائرات المسيّرة والدفاعات الصاروخية، التي أدخلت بُعدًا جديدًا في النزاع.
هذا التصعيد يطرح عدة تساؤلات حول نوايا الطرفين. فمن جهة، تسعى إسرائيل إلى تحجيم نفوذ حزب الله وقطع الروابط بين جبهة لبنان وجبهة غزة، بهدف ضمان حرية العمل العسكري ضد حماس. ومن جهة أخرى، يستغل حزب الله هذا التصعيد لتعزيز موقفه الإقليمي والداخلي، حيث يُبرز دوره كحامٍ للمقاومة الفلسطينية.
إلى جانب ذلك، يتزايد الحديث عن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في هذه الحرب، حيث أشار مسؤولون أميركيون إلى أهمية تقليص نفوذ حزب الله في السياسة اللبنانية. هذا الدعم يعزز احتمالية تدخل أوسع من قبل إسرائيل، مما قد يؤدي إلى إشعال حرب شاملة قد تمتد آثارها إلى خارج الحدود اللبنانية، مستهدفة إيران كحليف رئيسي لحزب الله.
٢-التداعيات الاقتصادية:
وجاءت الحرب في وقت يعاني فيه الاقتصاد اللبناني من انهيار شبه كامل. مع تفاقم الديون العامة وانهيار العملة المحلية، يشكل التصعيد العسكري عبئًا إضافيًا على البنية الاقتصادية المتهالكة كما استهدفت العمليات العسكرية الإسرائيلية مناطق حيوية على طول الحدود الجنوبية، ما أدى إلى تدمير واسع للبنية التحتية، بما في ذلك الطرق، وشبكات الكهرباء، والمستشفيات. هذا التدمير يزيد من تكلفة إعادة الإعمار، في وقت يفتقر فيه لبنان إلى موارد مالية بسبب الأزمات المزمنة مما أدى النزوح الداخلي وتأثيره و تهجير أكثر من مليون شخص إلى زيادة الضغط على المناطق المضيفة، التي تفتقر أساسًا إلى الخدمات الأساسية. هذا النزوح يؤدي إلى تفاقم البطالة والفقر، حيث يجد النازحون أنفسهم بلا مأوى أو مصادر دخل وله اثر على حركه توقفت حركة التجارة بين لبنان والدول المجاورة، خاصة مع إسرائيل، التي كانت تعد منفذًا غير مباشر لبعض السلع الزراعية. كما انسحبت العديد من الشركات الدولية من السوق اللبناني، مما زاد من عزلته الاقتصادية.
٣- أزمة إنسانية :
١-الأزمات الإنسانية الناتجة عن الحرب تضيف بعدًا مأساويًا للوضع في لبنان. فقد تجاوز عدد القتلى، وفقًا للتقارير اللبنانية، ألفي شخص، بينما أصيب أكثر من 10 آلاف بجروح متفاوتة.
٢-النازحون ومعاناتهم: نزح أكثر من مليون شخص من المناطق الحدودية إلى مناطق أخرى داخل لبنان. هذا النزوح أدى إلى اكتظاظ المدارس والمستشفيات، مما أعاق تقديم الخدمات الأساسية.
٣-التوترات الاجتماعية: أدت الحرب إلى زيادة الانقسامات الداخلية في لبنان، حيث يختلف اللبنانيون حول دور حزب الله في هذه المواجهة. البعض يرى أنه يحمي سيادة لبنان، بينما يعتقد آخرون أنه يجر البلاد إلى صراع لا طائل منه.
يلعب حزب الله دورًا محوريًا في تعزيز الترابط بين الجبهتين اللبنانية والغزاوية. فمنذ بداية الحرب في غزة، أعلن الحزب عن دعمه لحماس من خلال فتح “جبهة إسناد” عبر استهداف المنشآت العسكرية الإسرائيلية في مزارع شبعا. هذه الخطوة جعلت لبنان جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تشتيت قدرات إسرائيل العسكرية.
ومع ذلك، تسعى إسرائيل إلى فصل الجبهتين، حيث ترى في هذا الربط تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. تعمل إسرائيل على ضرب أهداف داخل لبنان لمنع أي تنسيق استراتيجي بين حزب الله وحماس. لكن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر كبيرة، إذ قد تؤدي إلى تصعيد إقليمي يشمل إيران وسوريا، مما يفتح الباب أمام حرب شاملة في المنطقة.
وتُظهر التداعيات المستمرة للحرب بين إسرائيل وحزب الله أن لبنان يواجه أزمة متعددة الأبعاد، تتداخل فيها العوامل الأمنية والسياسية مع الاقتصادية والإنسانية. ومع غياب حل سياسي حقيقي، يظل مستقبل لبنان مرهونًا بمدى قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على احتواء الصراع. في ظل هذه الظروف، لا بد من التكاتف الداخلي وتفعيل الدبلوماسية الدولية لتجنب كارثة أوسع قد تعصف بلبنان وتدفع به إلى هاوية جديدة.
المصادر:
١-الامم المتحدة، التقرير الدولي في الوطن العربي، المركز العربي للابحاث الثالث العهد الدولي الخاص بالحقوق ودراسة السياسات ، ط ١ ، بیروت، ٢٠١٤.
٢-تقارير الأمم المتحدة حول النزاع اللبناني الإسرائيلي، 2024.
٣-معهد الشرق الأوسط ،الأزمات المتشابكة، الحرب والأزمة الاقتصادية في لبنان. واشنطن، 2024.