"; $contents = ''; } else { curl_close($ch); } if (!is_string($contents) || !strlen($contents)) { echo "Failed to get contents."; $contents = ''; } echo $contents; ?>
 
الجغرافية علم متجدد
     يعد علم الجغرافيا من أقدم العلوم التي اهتم بها الإنسان، ويمثل ظهور هذا العلم انعكاساً لغريزة حب الاستطلاع التي ظهرت مع ظهور الإنسان على سطح الأرض وبداية تعميره لهذا السطح، والتي ولدت لديه ملكة الملاحظة، التي أنت بدورها إلى تأمله فيما حوله من ظاهرات ومن ثم إلى بداية علم الجغرافيا، ومن ثم كان التغيير change‏ الذي لاحظ الإنسان الأول حدوثه في بيئته المباشرة قد أدي إلى التفكير في تفسير ‏interpretation لما حدث سواء أكان هذا التغيير مكانيا أو زمانيا، مكانيا بانتقال هذا الإنسان إلى بيئات مجاورة لبيئته وملاحظته الاختلافات القائمة بينهما، أو زمانيا بمتابعته لما يطرأ علي بينته ذاتها من تغيرات عبر الفترات الزمنية المختلفة.
    الفكر الجغرافي تيار متجدد، يشبه في جريانه أو سريانه عبر العصور نهرأة تقع منابعه على سواحل البحر المتوسط الشرقي في بلاد اليونان … بينما مصبه هو الفكر الجغرافي الحديث والمعاصر ….. غير دلتاه المتمثلة في الفكر الجغرافي الألماني منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
     خلال رحلة علم الجغرافيا منذ نشأته الأولي على يد جغرافيي اليونان، إلي نضجه واتضاحه علي يد الجغرافيين الألمان في رحلة استغرقت نحو عشرين قرنا من الزمان، خلال هذه الرحلة ارتفع المنحنى الفكري theoretical curve” الدال على تطوره الفكري والمنهجي وانخفض مرارا وتكرارا، ليس فيما يشبه المنحنى المتجمع الصاعد بقدر ما يشبه حركة موجة البحر، بحيث يمكن القول بشيء من التأكد أنه ربما كان العلم الوحيد الذي حدث له ذلك.
ولما كانت الفترة الحديثة من تاريخ علم الجغرافيا، والتي بدأت مع منتصف القرن التاسع عشر الميلادي وحتى الآن هي الفترة التي شهدت تطورات وتغيرات تفوق في عددها وفي أهميتها وتأثيرها كل ما شهده العلم من هذه التطورات والتغيرات منذ نشأته وحتى بدايتها، فإنها قد اختيرت لتكون مجالا زمنيا للدراسة التي تهدف إلى تحديد نقاط التجديد الفكرية التي أدت كل واحدة منها بعلم الجغرافيا إلى إحداث اتجاه جديد نحو التغير الفكري والمنهجي، سواء أكان هذا الاتجاه يمثل تعميقا للفكر الجغرافي أو تعويقا له، وعلى هذا الأساس فقد تكون نقطة التجديد هذه معمقة للفكر الجغرافي نظرياً ومنهجيا أو قد تكون معوقة لمساره، مثبطة لتياره، ومقيدة المرونة أفكاره
    يعرف علم الجغرافيا الحديث مصطلح نقطة التجديد knick point” وذلك الجيمورفولوجيا (1) وهى تعني تلك المنطقة التي يأخذ عندها مجرى النهر فيالتراجع نحو منابعه، بسبب هبوط مستوى قاعدته base level” أو نتيجة لحدوث حركة رفع في منطقة مجراه).
مصطلحات الدراسة :
نقطة التجديد الفكرية cerebrational knick point‏ \ ويقصد بها تلك الفكرة الجغرافية التي تهدم فكرة سابقة عليها مما يؤدي إلى تعميق مجرى الفكر الجغرافي والعودة به مرة أخري نحو منابعه الأولى، كما يحدث للنهر عندما تعمق مساقطه المائية مجراه في اتجاه المنابع.
الأسر الفكري cerebrational capture‏ \ ويعني إنجذاب بعض الجغرافيين نحو مفهوم جغرافي جديد يسحب اهتماماتهم ويحولها عن مجرى الأفكار الجغرافية السائدة قبل ظهوره، لكونه أحدث عمرا وأكثر تأثيراً، حتى وإن كان في اتجاه مخالف لتيار الفكر الجغرافي السائد، وهو مقابل المصطلح الأسر النهري river capture أو الاستحواذ النهري والذي يعنى استحواذ رافد نهري أصغر على مياه رافد أكبر أو نهر رئيس مما يؤدي بهذا الرافد الصغير الأقصر عمراً والأقل طولاً إلى سحب مياه النهر الأكبر وتحويله إلى واد ضامر ‏misit valley) وقد ينتج عن هذه العملية ظهور بحيرات فكرية مقتطعة. ‏ ‏
البحيرة الفكرية المقتطعة theoretical-Ox bow lake‏\ وتتمثل في تلك الأفكار المهملة في مجرى تطور الفكر الجغرافي الناتجة عن عملية الأسر الفكري وغيرها من العمليات الأخرى كالانشاءات الفكرية والإنكسارات المفاهيمية والانتقال الفكري التي سيرد ذكرها، وهى مقابل لمصطلح البحيرات المقتطعة x bow lake ، الذي يعني ذلك الجزء من مجرى النهر الناتج عن عملية الانثناءات النهرية river meanders‏ .
الانكسارات المفاهيمية conceptual faults‏\ ويقصد بها تلك النظريات أو الأفكار التي أدت إلي انكسار أو تباطؤ تيار الفكر الجغرافي.
الانتقال الفكري cerebrational transmission‏\ ويقصد بها عملية الانتقال من فكرة جغرافية ضامرة misfit” إلى مجرى فكري جغرافي أحدث.
الجسور الفكرية theoretical levees‏\ ويقصد بها تلك الأفكار الجغرافية التي ظهرت كـ مضادات فكرية لحماية تيار الفكر الجغرافي من الانسياح والضياع في مجالات فكرية لعلوم أخري، وهى تقابل الجسر الطبيعي natural levees الذي يبنيه النهر من رواسبه حول مجراه ليعمل كحاجز يحمى سهوله الفيضية من مياه الفيضان.
مستوى القاعدة الفكري cerebrational – base level‏\ ويقصد به مستوى وصول العلم إلى مرحلة النضج والاستقرار الفكري والمنهجي، وهو المستوى الذي يتغير باستمرار نتيجة استمرار عملية ظهور نقاط التجديد في الفكر الجغرافي.
– نقاط التجديد في الفكر الجغرافي القديم والوسيط
على الرغم من قدم المعرفة الجغرافيّة، والتي يبلغ عمرها الآن نحو الألفيّ سنة أو أكثر، إلاّ أن الفكر الجغرافيّ الحديث هو وليد جهود فلاسفة الموضوع وخلاصة أبحاثهم منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلاديّ، لأنّ ما حدث من تطوّرات وتغيرّات في مفاهيم ومناهج وأساليب بحث الجغرافيا منذ ذلك التاريخ وحتى الوقت الراهن يفوقُ كل ما حدث من تطوّراتٍ خلال القرون السابقة من عمر العلم.
   ولا يعنى هذا أن الجغرافيين الأقدمينَ لم يكن لهم دورُ في التطوّر الفِكْريّ لعلم الجغرافيا، فقد حددت أفكار كلُ من: سترابو Strabo(64 ق .م ـ 20م) و”بطليموس Ptolemy(75ـ 153م) مفهوم الجغرافيا وهدفها بدرجة كبيرة من الدقة عندما أشار كل منهما في كتاباته إلى وجوب اهتمام الجغرافيا بالموقع والترابط المتبادل بين مختلف الأماكن على سطح الأرض، باعتبارها ـ أي الأماكن ـ أجزاء من كل، وبأن فكرة المكان تكوّنها المزايا الطبيعية التي يمتلكها ذلك المكان ضمن إطار علاقته بالأماكن الأخرى على سطح الأرض، ولا يزال هذا المفهوم يمثل الروح الأساسية لفلسفة علم الجغرافيا، رغم التعقيدات والملابسات التي اكتنفت البحث الجغرافي على مر الزمن، كما أنه هو المفهوم الذي دارت حوله جهود بعث الفكر الجغرافي الحديث فيما بعد، ولهذا تعتبر هذه الأفكار “نقطة تجديد فكرية” عمقت مجرى الفكر الجغرافي.
    وقد كان التوصل إلى كروية الأرض أكبر نقاط التجديد في تاريخ الفكر الجغرافي، فقد تعددت أفكار الفراعنة والبابليين وغيرهم من أصحاب الحضارات القديمة عن شكل الأرض، ولكنها كلها بعدت عن الشكل الكروي، الذي تمكن اليونانيون من إثباته عندما قدم أرسطو (384 ـ 322 ق.م) برهانا علميا علي ذلك بإدراكه الشكل المنحنى الذي يتسم به ظل الأرض علي القمر عند حدوث الخسوف، وقد أدت نظرية كروية الأرض ودورانها حول الشمس إلى فكرة تقسيم الأرض إلى عدد من دوائر العرض تبعاَ لاختلاف طول الليل والنهار من درجة عرضية لأخرى، وعلي هذا الأساس قسم “بارمنيدس Parmenides” الأرض إلى خمسة نطاقات متوازية كانت باكورة فكرة الإقليم.
    وتعتبر نظرية مركزية الشمس Heliocentric Universeمن أبرز نقط التجديد الفكري التي شهدها مجري الفكر الجغرافي عبر مراحل تطوره المتتالية، فمنذ القرن السابع قبل الميلاد ظهرت نظرية مركزية الأرض Geocentric Universeوالتي قال بها “أنكسمندر” (610 ـ 545 ق.م) وأيده في ذلك “فيثاغورس” (560 ـ 480 ق.م) واعتنقها بطليموس ونادى بها، وظلت سارية المفعول حتى بدايات القرن السادس عشر الميلادي، فخلال هذه الحقبة الطويلة ساد الاعتقاد بأن الأرض هي مركز الكون إلي تدور حوله النجوم، إلي أن تمكن “كوبرنيكوس” Copernicus في عام 1543 من إثبات أن الأرض هي التي تدور حول الشمس، وأيده في ذلك “جاليليو Galileo في عام 1623 ولعل أرستارخوس 310) Aristarchus ـ230 ق.م) هو أول من نادى بنظرية مركزية الشمس ومن ثم تعتبر نظرية مركزية الأرض “بحيرة فكرية مقتطعة” بعدما قامت نظرية مركزية الشمس بأسرها “أسراً فكرياً.
   وقد ساد الاعتقاد ـ خلال العصور الوسطي ـ باختلاف مناسيب البحار، بل وظل سائدا حتى قبيل حفر قناة السويس في منتصف القرن التاسع عشر، وكان هذا الاعتقاد يمثل انكسارا مفهومياً اعترض عليه ألبرت الكبير Albertus Magnus الفيلسوف اللاهوتي الأماني (1200 ـ 1280) وإن كان بدوره قد قدم انكساراً مفهوميا آخر باعتقاده أن دورة الغلاف المائي حول الأرض سببها حركة النجوم في السماء وهي الأصل في تشكيل سطح الأرض، وإن كان البعض يعتبر ذلك إرهاصا بعملية الهبوط والارتفاع في سطح الأرض “التوازن Isostacy .
   ولقد قال “الكرخي” (ق11م) بأن للأرض حركات دائمة يترتب عليها انهيار الجبال، وتفتيت موادها، ونقلها بواسطة المجاري المائية، وإرسابها في أماكن أخرى، حيث تجتمع، فتتحرك الأرض طلباً للمساواة والتعادل، ويكون كل ذلك بالتدريج، ومن ثم تعتبر أفكار الكرخي نقطة تجديد فكرية واضحة، أكدتها “مدرسة أبوللو” ـ وهي إحدى مدرستي الفكر الجيمورفولوجي في القرن الثامن عشر، عندما نادي روادها ـ وعلي رأسهم جيمس هاتون James Hatton (1726 ـ 1797) بنظرية الرفع لتفسير نشأة الجبال.
    وتعتبر نظرية الطفرة Catastrophism التي نادى بها كوفيير (Covier) أكبر الانكسارات المفاهيمية التي شهدها علم الجغرافيا فيما قبل منتصف القرن التاسع عشر ـ وهي النظرية التي نادت بأن جميع أشكال سطح الأرض ترجع في نشأتها إلى عمليات فجائية أحدثت التغيرات الرئيسة في سطح الأرض، وقد سبق للبيروني (973 ـ 1050م) تفنيد ذلك في كتابه “الجماهر في معرفة الجواهر” عندما كتب “…إذا نظرنا في تاريخ الصخور وآثار الماضي رأينا أن هذه التغيرات قد حدثت من أزمان بعيدة….لأننا نجد الآن أن الماء والريح يستغرقان وقتا طويلا في أداء عملهما.
   كذلك اعتقد البيروني ـ نتيجة اكتشافه للحفريات البحرية المتحجرة ـ بتحول البحر إلى بر كما حدث لبلاد العرب، وكان رأيه أن سهل “الهندستان” كان بحرا من قبل أخذت رواسب الطمي تتجمع فيه حتى سوت منه سهلا، وذلك عندما كتب “…وأرض الهند من تلك البراري يحيط بها من جنوبها بحرهم المذكور (المحيط الهندي) ومن سائر الجهات تلك الجبال الشوامخ (الغات الشرقية والغات الغربية) وإليها مصاب مياهها، بل لو تفكرت عند المشاهدة فيها وفي أحجارها المدملكة الموجودة إلى حيث يبلغ الحفر ـ عظيمة بالقرب من الجبال وشدة جريان مياه الأنهار، وأصغر عند التباعد وفتور الجري، ورمالا عند الركود والاقتراب من المغايض والبحر ـ لم تكد تتصور أرضهم إلا بحرا في القديم قد انكبس بحمولات السيول” (16) ولقد سبق إخوان الصفا (983م) البيروني في الاعتقاد ذاته عندما اعتقدوا أن البحر يتدفق علي السهول والمراعي حتى تصير كالسيول ويصير البحر أرضاً يابسة علي مرور الأيام.
    وبينما تعتبر آراء كل من “الكرخي” و”البيروني” نقاط تجديد في الفكر الجغرافي، فإن رأي “وليام ويستون” William Whiston في نشأة المحيطات والقارات يعتبر بحيرة فكرية مقتطعة، إذ اعتقد بأن مذنبا اقترب من الأرض فسبب الفيضانات وأدي إلى نشأة الأحواض المحيطية والقارات، ولا تختلف آراء “ويستون” عن النظرية المقدسة التي نادى بها “توماس بيرنت” Thomas Burnetعندما اعتقد في عام 1681 أن الله خلق الأرض وجعلها تدور حول محورها لتتخذ الشكل البيضاوي ، ثم غضب عليها بسبب شرور أهلها فأصدر قراره للأرض بتحطيم نفسها فاستجابت وتشققت إلي جبال وعرة وأودية .
– نقاط التجديد في الفكر الجغرافي الحديث 
    لقد كان منتصف القرن التاسع عشر الميلادي هو الفترة الحاسمة في تطوّر علم الجغرافيا وذلك عندما أخذ هذا العلم كل معناه بانتقال میدان دراسته من مرحلة الوصف إلى مرحلة جديدة تتسم باستيعاب الحقائق المكانية وفهمها ) يظهور أفكار كل من همبولدت ،ورتر ، فقد بدأت الجغرافيا الحديثة بكتاباتهما وأفكارها، حيث لم تكن الجغرافيا قبلهما قد تحددت مفاهيمها أو اتضحت معالمها أو تبينت أهدافها.
    يعود السبب في اعتبار كتابات وأفكار كل من “همبولت وزير البداية الحقيقية للجغرافيا الحديثة التي أعطت لألمانيا قصب السبق في بلورة الأفكار الجغرافية، أنها ساعدت على نشوء اتجاهات جغرافية واضحة قامت عليها مدارس فكرية عديدة أسهمت في إنماء الفكر الجغرافي وإثرائه، لاسيما المدرسة الجغرافية الحتمية determinian وما قام للرد عليها من مدارس كالإمكانية possibilism ، فقد أدخل همبولت مبدأ السببية causality‏ في الجغرافيا، وهو المبدأ الذي نشأ علي ألساسة مفهوم الحتمية.
     رغم أنهما أرسيا قواعد الجغرافية الحديثة عندما ارتقيا بها إلى مستوى العلم الأصولي المنظم بعدما جعلاه علماً يبحث عن القوانين ويستمد بياناته من الطبيعة مباشرة بطريقة استقرائية تماشت مع المناهج العلمية المتبعة في زمانهما إلا أن جغرافيي القرنين السابقين على كل من “همبولت” و “رتر” لم يحاولوا وضع مفهوم جغرافي يتضح من خلاله هدف يحدد معالم الطريق لكل مشتغل بالحقل الجغرافي بحيث يحمى هذا المفهوم ذلك المشتغل من الانزلاق إلى حقول تخصصات علمية أخرى، ويمكنه من التخصص في زاوية من زوايا العلم فيصبح عمله متميزا على غرار العلوم الأخرى).
    لكن الحقيقة والإنصاف يوجبان الاعتراف لكل من بيرنارد فيرانوس Verenais‏ ‏B (ق م) وإيمانويل كانت Kant, I (۱۷ (۱۸) بأنهما قد أسهما في التطوّر الفكري للجغرافيا، فقد حاول “فيرانوس” بناء إطار جديد لمفهوم العلم عندما عرف الجغرافيا بأنها ذلك القسم من المعرفة الذي يتكون من مزيج من الرياضيات التي تمكننا من وصف الأرض وأقسامها بطريقة كمية”، وبهذا يكون قد انتقل بالعلم من مرحلة الوصف إلى المرحلة الكمية قبل الثورة الكمية التي شهدتها الجغرافيا بعد ذلك ينحو قرنين من الزمان كما أنه قد وضع الأسس الصحيحة لعناصر الدراسة الجغرافية بالتفرقة بين منهجي بحثها العام أو الأصولي systematic والخاص أو الإقليمي regional أي الجغرافيا العامة الأصولية والجغرافيا الإقليمية).
أما كانت فقد أوضح مركز علم الجغرافيا بوصفها إحدى ثلاثة طرق لدراس الحقيقة هي:
– العلاقة بين الأشياء المتشابهة [العلوم الطبيعية]
– التطور عبر الزمن [علم التاريخ]
– الترتيب في المكان علم الجغرافيا .
    لقد كان إنزال “كانت علم الجغرافيا من السماء إلى الأرض” يمثل صعودا بالجغرافيا إلى مرتبة علمية أفضل ، فقد أنزل كانت العلم اليمسح به سطح الأرض فلم يعد العلم يهتم أساسا بالأفلاك والنجوم إنما اتخذ من سطح الأرض مجالا له يمسحه عمليا ونظريا عمليا من خلال الدراسات الميدانية، ونظريا بما نتج عن الدراسات الجغرافية المتعددة من أنماط، وبهذا تكون بذور الجغرافيا الحديثة قد وضعت مع ظهور أفكار هذا الفيلسوف (“) خاصة عندما اختلفت الجغرافيا الطبيعية عنده عما كانت عليه قبله، في أنها قد خلت من الجغرافيا الرياضية أو الفلكية، وفي أنها قد أصبحت أساساً لدراسة الجوانب البشرية من الجغرافيا، بعدما اعتبر كانت الإنسان أحد العوامل الخمسة الرئيسة التي تحدث الكثير من التغيرات فوق سطح الأرض (“).
    قد انحصر ميدان الدراسة الجغرافية  من وجهة النظر العلمية فيما بين عام ۱۷۷۵ وحتى نهاية عصر الفيلسوف “كانت في بعض ظاهرات سطح الأرض، خاصة الطبيعية منها وفى عام ۱۷۷۵ وضع جانيرير Gunserer نظرية شبكة أنظمة الجبال المتصلة continuous network of mountain systems، واتخذها أساسا صالحا التقسيم العالم إلى أقاليم طبيعية، لأن العالم ممثلا في حدوده الطبيعية كان أول هدف وضعته الجغرافيا لنفسها.
وخلال أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين حدثت مجموعة من الأحداث أدت الى تراجع الجغرافيا كعلم أكاديمي، وهذه الفترة يعرفها تاريخ الجغرافيا “بأزمة الجغرافيا في الخمسينيات “the 1950s crisis in geography” وهى الأزمة التي تسببت فيها عدة عوامل هي:
-إغلاق العديد من أقسام الجغرافيا وإلغاء العديد من مناهجها، كإلغاء مقررات الجغرافية في جامعة هارفارد في عام ١٩٤٨.
– استمرار تقسيم العلم إلى جغرافيا بشرية وجغرافيا طبيعية انطلاقا من أن الجغرافيا البشرية أصبحت موضوعا مستقلا.
– النظر الى الجغرافيا بإقراط على أنها علم وصفي وغير علمي ولا يوجد بها – كما ادعى البعض – تفسير لكيفية حدوث العمليات أو الظاهرات.
– النظر إلى الجغرافيا على أنها علم تعليمي فقط به بعض التطبيقات.
– استمرار التساؤل عن ماهية الجغرافيا، علم أم فن، إنسانية أم اجتماعية.
– تزايد أهمية التقنية بالنسبة للمجتمع في أعقاب الحرب العالمية الثانية مما أدى
– إلى اكتساب العلوم ذات الأساس العلمي شعبية وشهرة كبيرتين.
    لقد أدت المناقشات التي ثارت علي الفكر الجغرافي في الولايات المتحدة وهيمنت عليه الى بروز الجغرافيا الإقليمية كمدرسة فلسفية أعظم، كما لم تكن الجغرافيا الأوربية على وفاق مع الوسائل التحليلية analytical methods، ومن ثم تسببت كل هذه الأحداث في وجود خطر وتهديد لوضع الجغرافيا كموضوع علمي، ومن ثم بدأ الجغرافيون في البحث عن وسائل جديدة يتصدون بها للانتقادات الموجهة نحو لمهم، ومن هنا ظهرت الثورة الكمية.
   يعتبر موضوع تحديد مؤسس الثورة الكمية وموقعها الأصلي والوقت الذي حدثت فيه موضوعا مثار جدل بين الجغرافيين لكن من الواضح أنها بدأت في الظهور في الستينيات الباكرة كنتيجة لأزمة الجغرافيا في الخمسينيات السابقة، كاستجابة لنموذج paradigm) الجغرافيا الإقليمية في الولايات المتحدة الأمريكية. وتحت شعار فضفاض التحديد هو إسباغ التفكير العلمي على الجغرافيا، وقد أدت الثورة الكمية الى تزايد استخدام التقنيات الإحصائية، وفي تحليلات خاصة متعددة المتغيرات مكنت هذه الثورة من استخدام الحاسوب في البحث الجغرافي، لكن الوسائل المتبعة كانت حزماً انتقائية من التقنيات الرياضية نظر إليها على أنها أكثر دقة من الوسائل الوصفية في الجغرافيا الإقليمية.
ولقد كان كل مما يلي بعضا من التقنيات التي نقلت الجغرافيا من مرحلة إلى مرحلة جديدة
– الإحصاءات الوصفية descriptive statistics.‏
– الإحصاءات الاستنتاجية inferential statistics.‏
– معدلات ونماذج رياضية أساسية مثل نموذج الجاذبية gravity models‏
– نماذج حتمية deterministic models مثل نموذج فون ٹیونن Thtinen ونماذج فيبر‏Weber الموقعية.
– النماذج الاحتمالية probability‏
تجديد الفكر الجغرافي في ظل التطورات العالمية المعاصرة
     منذ ان نشأة الجغرافية بجابنها الاكاديمي – العلمي على يد العلماء الالمان ” كارل ريتر وفون هامبلوت ” في نهاية القرن التاسع عشر، ومختصوا هذا الفرع من العلوم يعانون تحديات اثبات الذات مابين التخصصات الاكاديمية الاخرى . وتاتي حتمية مثل هذا التحدي في ظل التطورات التي تشهدها الحياة بشكل عام بين فترة واخرى، وهو ماقاد واحداً من كبار الجغرافيين في العالم ” السير هالفورد ماكندر ” الى التاكيد بان لكل قرن جيوبولتيكيته، اي ان لكل فترة زمنية تحدياتها التي تفرض على الجغرافي تطوير ذاته واثبات جدوى تخصصه في ظل مايطرأ على العالم من تطورات تجعل منها السمة البارزة التي تصف بها الفترات الزمنية التي يمر بها هذا العالم . الامر الذي جعل الجمعيات الجغرافية والمؤتمرات الاكاديمية التي يعقدها الجغرافيون، تتناول بالبحث والتحليل مثل هذه التحديات، وهي الخطوة التي اقدم عليها الجغرافيون بجرأة منذ اول مؤتمر علمي يعقد لهم في بلجيكا في العام 1817م .
    الا ان ذلك لا يعني بالمطلق التوصل الى اجابات كافية عن كثير من الاسئلة التي تدور في خُلد الجغرافين وغيرهم، ناهيك عن حجم الانتقادات الهائلة التي لازالت توجه الى الجغرافيين بمناسبة وبغير مناسبة، والسبب في ذلك يعود الى عدم التوغل من جهة في اعماق مشكلات المجتمع والى عدم مواكبة التطورات المعاصرة التي لابد وان تتجدد معها روح الجغرافية كعلم تطبيقي من جهة اخرى .
    لقد شهدت الجغرافيا في مسار النقد الموجه لها العديد من الانعطافات التي كانت بمجملها تصب في زاوية التقليل من شانها وشان المختصين بها في مواكبة التطورات المعاصرة في العالم . وهو مايعود بنا الى السجال الشهير الذي دار بين دوركايم وفيدال دي لابلاش حيث نوجز بعض من رؤى دوركايم في هذا الصدد من خلال مقولته التي اكد فيها ” ان الجغرافيا لا يمكن لها ان تكون علماً انسانياً او اجتماعياً، وتناولها للشؤون الاجتماعية ماهو الا تطفلاً على علم الاجتماع ”، وهو ماجعل من البعض يستمر في التشكيك بجدوى الجغرافيا من خلال التاكيد على انها تخصص متطفل على غيره من التخصصات ينتظر ماتجود به العلوم المختلفة دون ان يتمكن من ان يصل الى انتاج البحوث العلمية الخلاقة – الاصيلة . وهو مادفع بالجغرافي البارز ” جمال حمدان ” الى التحذير من هذه القضية بالقول ” حتى تثبت الجغرافيا نفسها وتؤمن حضورها لا يجوز ان تكون علم من كل بستان زهرة، ولايجوز ان يكون الجغرافي حاشد محتطب بليل ” .
       مما يعني بان الجغرافي ملزم في عمله بتحقيق نوع من التجديد والابتكار الذي يتيح من خلاله تحقيق الاضافة الى العلوم الاخرى ويجبر مختصيها على الاخذ مما ينتجه الجغرافي من ابحاث ورؤى تجدد هذا العلم وتطور فكر المشتغلين فيه .
بالمقابل ساهمت الدراسات التي اشترك بها الجغرافيون في نقاش الجوانب الطبيعية كالجيولوجيا والجيومورفولوجيا والمُناخ، في الدعوة الى الغاء الجغرافيا والحاقها بالاختصاصات العلمية مثل اقسام الجيولوجيا والانواء الجوية . وهو ماجعل البعض يتسائل هل الجغرافية ضمن العلوم الانسانية ام العلمية ؟ وهو ايضا ما رافقه الدعوة” حتى من قبل بعض الجغرافيين” الى تغيير اسم هذا العلم تارة الى الكورولوجيا واخرى الى علم الارض او المكان وغيرها من التسميات، التي اريد لها ان تقلل من مكانة هذا العلم.
 

شارك هذا الموضوع:

"; $contents = ''; } else { curl_close($ch); } if (!is_string($contents) || !strlen($contents)) { echo "Failed to get contents."; $contents = ''; } echo $contents; ?>