آثر الجوانب السياسية على ملكية الاراضي الزراعية في بلاد ماوراء النهر
عندما بدأت الفتوحات الاسلامية في الشرق بصورة عامة وبلاد ماوراء النهر بشكل خاص , اهتم العرب المسلمين بالأوضاع الزراعة كاستصلاح الاراضي والاهتمام بالري , وهذا ما نجده واضحاً من خلال بنود الصلح التي كان يعقدها القادة الفاتحين مع حكام الاقاليم .
ونفهم من هذا ان المسلمين الفاتحين لم يتعرضوا لأنظمة الحياة الزراعية المعمول بها في البلاد المفتوحة , بل ابقى العرب الفاتحين الحال على ما هو علية نظراً لمعرفة اصحاب الارض بطبيعة بلادهم والاساليب المستخدمة في الزراعة وطريقة جبايتها .
ويمكن القول ان بلاد ماوراء النهر هي هبة نهري جيحون وسيحون , بالإضافة الى المناخ المناسب لانطلاق عجلة الحضارة لاسيما في الجانب الزراعي والتي بلا شك تأثرت بالتقلبات السياسية والعسكرية التي حصلت بعد الفتح الاسلامي .
لقد استمرت مهمة الدهاقين الذين عملوا وسطاً بين الولاة المسلمين وبين مناطقهم المتولين عليها لجمع خراجها لكن نفوذهم ليس كالسابق حيث تقلص نفوذ هذه الفئه بشكل كبير في العهد الاسلامي لاسيما نفوذهم السياسي واصبح لفظة الدهاقين تعني(الاعيان الريفيون) حيث تطلق هذه الكلمة على من يمتلك ارضاً لها اهمية تؤهله لان يتزعم قريته , وبذلك رضا هؤلاء الدهاقين بزوال سيطرتهم السياسية لقاء ما حصلوا علية من مزايا اقتصادية واجتماعية جديدة في ظل النظام السياسي الجديد للدولة الاسلامية .
اما في ما يخص ملكية الارض في بلاد ماوراء النهر فأنها اعتمدت على طريقة فتحها صلحاً او عنوة, حيث صنفت ضريبتها على طبيعة فتحها ومدى استجابة اهلها للإسلام , فإذا تم الفتح صلحاً دون قتال من جانب السكان فقد اقر المسلمين لهؤلاء حريتهم واموالهم مقابل دفع جزية سنوية اما اذا كان الفتح قد تم عنوة وحدث قتال مع المسلمين واخذت الارض بالقوة فقد يتم مصادرة الارض واخذ اموالهم وممتلكاتهم .
وبما ان اغلب اراضي بلاد ماوراء النهر فتحت صلحاً وبعهود ومواثيق عقدها العرب الفاتحين مع امراء المدن والدهاقين, فان اغلب هذه الاراضي قد بقيت بيد اصحابها لقاء ما يدفعونه من خراج للعرب المسلمين , فكان اهل الصغد واهل كش ونسف واهل بخارى وغيرها من مناطق بلاد ماوراء النهر يعرضون رغبتهم بالصلح مع القادة العرب الفاتحين بعد القتال فيعقد الصلح بين الطرفين على جزية او ضريبة معينة يدفعونها, ولذلك بقية املاكهم واراضيهم في ايديهم .
وقد افرزت الظروف السياسية والادارية في بلاد ماوراء النهر ثلاث انواع من الاراضي اعتمدت تصنيف معين يعتمد على نوعية الملكية التي فرضتها ظروف المرحلة السياسية التي مرة بها بلاد ماوراء النهر وهذه الملكية هي :
1– ضياع الخلافة العباسية :
تعود ملكية هذه الاراضي الى الخليفة العباسي حيث حصلت عليها الخلافة العباسية عن طريق مصادرتها من الامويين , او عن طريق الاستيلاء عليها بالشراء او المصادرة او وضع اليد , فلا يكاد يخل اقليم في بلاد ماوراء النهر من هذه الضياع التي تعود ملكيتها للخليفة العباسي .
والملاحظ ان هذه الاملاك والضياع قد تلجأ الخلافة الى بيعها احياناً في اوقات الازمات المالية حيث باع الوزير (ابن مقلة) ضياعاً واراضي زراعية تعود ملكيتها للخلافة في زمن الخليفة القاهر(320-322ه/932-934م) .
وقد كان في بلاد ماوراء النهر اراضي زراعية واسعة تعود ملكيتها للخلافة العباسية منها املاك حاكم بخارى والتي قام بمصادرتها ابو مسلم,الخراساني في عهد الخليفة ابو,جعفر المنصور, وكان سبب هذه المصادرة هو ارتداد حاكم بخارى عن الاسلام واعتبرت املاك سلطانية بعد ذلك ارجعت الى ابناء حاكم بخارى بمقابل اجر او ارسال غلاتها او خراجها الى دار الخلافة, وكذلك قرية اسكجكت وهي من قرى بخارى حيث قام الموفق اخ الخليفة المعتمد بأقطاعها الى امير خراسان محمد بن طاهر والذي باعها بدوره الى الداغوني .
وعلى ما يبدو ان هذه القرية هي جزء من قرى عديدة كانت تعود ملكيتها الى الخلافة العباسية والتي قامت بأقطاعها , مما ينهض على ان الخلافة العباسية كانت تملك الكثير من المساحات الزراعية والقرى والضياع في بلاد ماوراء النهر الامر الذي جعل الموفق يقوم بأقطاع قرية بأكملها الى والي خراسان محمد بن طاهر .
2- ضياع الامراء والقادة :
لقد كان هذا الصنف من الاراضي بحوزة الامراء المحليين والدهاقين والولاة وايضاً سيطر على مساحة كبيرة منها الامراء السامانيين وابرزهم الامير اسماعيل بن.احمد الساماني , حيث انتقلت هذه الاملاك والضياع اليهم عن طريق شراء الاراضي السلطانية (ضياع الخليفة) او شراء اراضي النبلاء او مصادرة بعض املاك العمال والقادة الخارجين على الدولة .
وقد ازدادت نسبة المصادرة لهذه الاراضي في عهد الامير اسماعيل الساماني حيث انقض على بعض المساحات الزراعية الشاسعة وجعلها تحت سيطرته بعد ان كانت تحت يد حكامها المحليين, ومن هذه الاراضي هي اشروسنة فقد قام بأبعاد سيطرة (الافشين) وضمها الى الاملاك السامانية كذلك ضم املاك للحكام المحليين في بخارى وفي خوارزم وغيرها , بالإضافة الى الاستيلاء على ما كان بأيدي الصفاريين من الاراضي التي توارثوها عن الطاهريين .
كذلك تم الاستيلاء على (رستاق المرزبان) في سمرقند والاستيلاء على ضياع اخرى تعود ملكيتها لبعض الملاك والدهاقين تم الاستيلاء عليها من قبل ال سامان .
وعلى ما يبدو ان الخلافة العباسية كانت على علم باستيلاء السامانيين على هذه الضياع والاراضي الزراعية , ولم تعارض على ما كان يقوم به اسماعيل من مصادرة لهذه الاملاك او شرائها من اصحابها, واغلب الظن ان سياسية الخلافة العباسية كان هدفها تقوية السامانيين وتثبيت جذورهم بشتى الطرق الى الحد الذي قامت هي ببيع بعض ضياعها الى الامراء السامانيين, بالإضافة لما وضعوا ايديهم علية من املاك الطاهريين بعد اسقاط الدولة الصفارية .
ومن الملاحظ ان الخلافة العباسية قد غضت الطرف عن استيلاء ال سامان على مساحات وضياع شاسعة تعود ملكيتها الى امراء وقادة ومتنفذين في بلاد ماوراء النهر , ومن دون شك ان سبب ذلك يعود الى ان الخلافة العباسية كانت تريد ان تثبت السامانيين في بلاد ماوراء النهر اولاً, ولا تريد لأي نفوذ او قوة سياسية ان تنافس السامانيين في تلك المنطقة ثانياً , ساعية من ذلك ان تجعل منهم القوة الاوحد الموالية لها في بلاد ماوراء النهر .
3– الاراضي الزراعية الخاصة بالأهالي :
لقد كان في بلاد ماوراء النهر المزارع والبساتين التي يمتلكها الافراد او الاهالي, حيث ارتبط الازدهار الاقتصادي لهذه الطبقة بالاستقرار السياسي والامني والذي تحقق في حكم ال سامان تحديداً, خاصة في الفترة الزمنة التي كانت بين المأمون والمتوكل وهي فترة تميزت بتقريب الفرس ومن بعدهم الاتراك فقد هيأت وبشكل واضح الى حياة الاستقرار والازدهار الاقتصادي النسبي وظهور حياة الترف بالإضافة الى نضوج الوعي السياسي في بلاد ماوراء النهر.
لقد كانت هذه الطبقة تتأثر بالوضع السياسي للدولة فبعد الضعف الذي اصاب الدولة السامانية في اخر ايامها بدأ الانحلال والانحصار لهذه المساحات الزراعية , فتأثرت الزراعة وانخفض سعر الارض وزادت الجباية ومن ثم تركت الارض من غير زراعة بعد ان هجرت بسبب قسوة الحكام وبدأت الهجرة الى المدن .