‘‘فتاوى المرجعية ودورها في حفظ الكرامة والهوية فتوى الجهاد الكفائي للسيد علي الحسيني السيستاني‘دام ظله‘ أنموذجاً‘‘
جمهورية العراق
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة كربلاء/كلية التربية للعلوم الإنسانيـة
قسـم التاريـخ/ الدراسات العليا/ الدكتوراه
Ministry of Higher Education and Scientific Research
University of Kerbala
Faculty of Education for Humanities
Department of History Postgraduate Doctorate
مقال
‘‘فتاوى المرجعية ودورها في حفظ الكرامة والهوية فتوى الجهاد الكفائي للسيد علي الحسيني السيستاني‘دام ظله‘ أنموذجاً‘‘
بقلم
طالب الدكتوراه: م.م. محمد حسن يوسف الذبحاوي
مراجعة
أ.د. عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي
Article
The religious Authority ‘s Fatwa and their role in preserving the identity and dignity.
Mr. Ali al Husseini al-Sistani’s fatwa of Jihad as a model
By:
PhD student Ass. Lec. Mohammed Hassan Yusuf Al Thabhawi
Review
Prof. Dr. Auda Hatem Abd Al-Zahra
يسلط المقال الضوء على مواقف واتجاهات المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف من التطورات والأحداث العاصفة في تاريخ العراق المعاصر والتي يمكن الاستفادة منها لمعرفة التأثير الناتج في توجيه الرأي العام وما ترتب عليه من وحدة وحفظ كرامة وهوية أمة متعددة المذاهب والطوائف تعمل تحت سقف موحد يجمعها حب الوطن والتصدي لغزاتهُ،اذ كان ولا يزال للمرجعية مكانة عظيمة في واقع الأمة على الصعيدين الداخلي والخارجي ودوراً عظيماً في مواجهة الإخطار المحدقة في البلاد والوقوف في وجه المشاريع الاستعمارية التي تحاول ان تسيطر على مقدراته وتهين كرامته وتطمس هويته، وهذا يدل على إن المرجعية العليا منظومة متكاملة تعي بجميع الأمور (الدينية ، السياسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية ، الفكرية) وغيرها ويتفاعل معها الجماهير لما لها من مكانة وتأثير روحي في نفوسهم أكثر مما يتفاعلوا مع حكوماتهم الرسمية.
أثبتت المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف وعلى طول فترات التاريخ الماضي وحتى الآن دورها القيادي البارز والمؤثر لمواجهة الأزمات والعقبات التي كانت تعصف الأمة الإسلامية، كما وتميزت بعدم انغلاقها على نفسها إذ سعيت دائماً ان تكون على تماس مباشر مع رعيتها من أبناء الأمة الإسلامية إلى درجة لم يقتصر فيه ذلك التماس على مواقف محددة بل أنه كان شامل،، إذ لطالما كان لها الكلمة الحاسمة عندما يدق ناقوس الخطر في أي أمر يتعلق بالإنسان والإنسانية فعلى سبيل المثال عندما يستوجب تدخلها للحد من قضايا تتعلق بأفكار تعصبية سيكون لكلمتها دور في الحد من تلك الأفكار ومثال قول المرجع الأعلى السيستاني‘دام ظله‘ ‘‘لا تقولوا أخوننا بل قولوا أنفسنا‘‘ أنموذجاً رائع لذلك، وغيرها من المواقف المشرفة التي لاتعد ولاتحصى.
عُرفت مرجعية السيد السيستاني بقرارات وفتاوى كان ولايزال لها دور كبير في الحفاظ على البلد وتخليص شعبه من شرور الأشرار، فطالما كان لكلمته الفصل في قضايا تمس هيبة البلد وحرية مواطنيه عن طريق إدارة الأزمات بحكمة وخير مثال عندما حاولت سلطات الاحتلال بعد عام 2003 كتابة دستور لايتناسب مع الدين والعرف والتقاليد رفضت المرجعية العليا ذلك وتصدت للأمر مع تأكيدها على ضرورة شق العراقيين طريقهم نحو الاستقلال والحرية، وأيضاً تدخل المرجعية بقضية نضوب مياه نهري دجلة والفرات ذلك الأمر الذي يجهله الكثير، فعند زيارة رئيس وزراء تركيا الاثنين الموافق 29 آذار 2011 إلى دار المرجع طلب منه الأخير أن يطلق حصة العراق المائية لعلمه بأن الحكومات المتعاقبة على السلطة لا تعي خطورة الموقف، وغيرها من مواقف يندرج ضمن قائمتها فتوى الجهاد الكفائي ضد اعتى قوى الشر الإرهابية.
عصف العراق أحداث خطرة خلال السنوات الماضية القريبة ومنها ظهور تنظيمات إرهابية تستند بالأفكارها على السلفية (الوهابية) التي تعود جذورها الى حوالي مائتين وخمسين عاماً والتي تتخذ من القتل والعنف سبيلاً لنشر تطرفها لدرجة حدث تطور ملحوظ في أيديولوجية هذه التنظيمات وظهر ما يسمى بـ(الدولة الإسلامية في العراق والشام) أو ما عُرفت اختصاراً بــ(تنظيم داعش) والذي أخذ يهدد البلاد أرضاً وشعباً أمام أنظار حكومة لم تتخذ إجراءات حازمة آزاء هذا الخطر، على عكس المرجعية الدينية العليا التي لعبت دوراً مهماً في مواجهة هذا التنظيم الإرهابي اللا إسلامي، معتمدة بما لها من مكانة مقدسة وقاعدة شعبية عظيمة في المجتمع العراقي عموماً حتى كان إسهامها واضحاً في إعادة تنظيم البلد من الداخل وشد اللحمة الوطنية من خلال تسخير كل الطاقات اللازمة لدحر تلك القوى التي هددت كيان البلاد، بعد ان احتلت بالكامل مدينة الموصل بتاريخ 10 حزيران 2014 وأجزاء كبيرة من محافظات الأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالى وبعض اطراف محافظة بابل وأصبح التهديد واضح للعاصمة بغداد.
ان ما تقدم دفع المرجع الديني الأعلى لإصدار فتواه التاريخية التي عُرفت بــ(فتوى الجهاد الكفائي) في الثالث عشر من حزيران 2014، والتي عرفت بكلماتها الوطنية ومنها: ‘‘…، أنها مسؤولية شرعية ووطنية كبيرة‘‘، لتغير موازين المعادلة للوضع الحرج في البلد وأوقفت انهيار الدولة وسقوطها بيد الإرهاب الممول من بعض دول الجوار الحاقدة وبتخطيط أمريكي- إسرائيلي فبعد ان كانت كفة التنظيم الإرهابي راجحة على كفة الجيش العراقي أصبح الموقف مغاير تماماً خاصة بعد تشكيل قوات الحشد المقدس.
ومن المقاربات التاريخية الرائعة والتي يجب الالتفاتة إليها والتي تبين التضحيات التي يقدمها مراجعنا العظام هو دفع الأنجال إلى سوح الجهاد ففي الماضي كان السيد اليزدي (قدس سره) قد وجه نجله الأكبر السيد محمد رضا اليزدي لشحذ همم العشائر العراقية لمقاومة المستعمرين الانجليز، أما اليوم فنلاحظ ان التاريخ يعيد نفسه بتوجيه السيد السيستاني (دام ظله) نجله الأكبر السيد محمد رضا السيستاني إلى سوح القتال ضد التنظيم الإرهابي داعش فقد شوهد في بعض المناطق التي كانت مهددة من قبل الدواعش ويكثر فيها المواجهات معهم، إذ أن كلا المرجعين يدركان خطورة تلك المناطق وغير مستبعد ان يفقدا اعز ما يملكان وهو أولادهم، وهذا يدل على مدى تضحياتهم من اجل كرامة هذه الأمة وهويتها الإسلامية التي تحاول قوى الشر طمرها لأنها تتعارض مع مصالحهم الدنيوية والعقائدية، بالإضافة إلى بذلهم الغالي والنفيس من أجل إعلاء كلمة الحق ورفع راية الإسلام في سماء الأراضي المحتلة ظلماً، ان الفتوى جاءت مخطوطة بخط وطني بحت يحث على الوحدة والتكاتف لجميع سكان البلد وذلك مبين بشكل واضح من خلال بداية الفتوى التي تقول: ‘‘إنّ العراق وشعب العراق‘‘ لذا فالبعد الوطني كان مفتاح تلك الفتوى التي حفظت كرامة وهوية العراق وشعبه.
والحقيقة ان فتوى الجهاد الكفائي لايتسعها مقال او عشرات المؤلفات لما لعبت دور كبير في تاريخ العراق المعاصر كونها حفظت كرامة الأمة الإسلامية جمعاء فضلاً عن كرامة الطوائف الأخرى والتي لاقت الويلات من التنظيم الإرهابي، وبهذا أثبتت المرجعية بشخص زعيمها السيد علي السيستاني (دام ظله) بأنها صمام أمان العراق ليبقى علمه شامخاً مرفرفاً في سمائه فحفظ الله مراجعنا الأعلام العظام وأدامهم ذخراً وفخراً.
أعتمد المقال على المصادرالتالية:
أسعد حميد أبو شنة ، السياسة الامريكية تجاه مرجعية السيد السيستاني قبل فتوى الدفاع الكفائي وبعدها ، مجلة العميد ، العدد25 ، مج7 ، السنة السابعة ، العتبة العباسية المقدسة ، 2018.
جاسم يونس الحريري ، الدور الخليجي في العراق (دراسة حالة احداث الموصل 2014) ، دار الجنان للنشر والتوزيع ، 2016.
خطب الجمعة (توثيق وتحقيق) ، ج1 ، مج10 ، أعداد قسم الموسوعات والمعجمات ، مركز العميد الدولي للبحوث والدراسات ، العتبة العباسية المقدسة ، 2014.
زينب شعيب ، الحشد الشعبي (الإستراتجية الأمريكية والحشد الشعبي في العراق) ، دار الحلاج للطباعة والنشر والتوزيع ، بغداد ، 2019.
سامي قاسم أمين المللجى ، الوهابية ، مكتبة مدبولى ، المكتبة التخصصية للرد على الوهابية ، القاهرة ، 2006.
سامي كيطان شذر الغراوي ، كيان داعش الارهابي وتصدي الحشد الشعبي له (دراسة تاريخية تحليلية) ، رسالة ماجستير غير منشورة ، الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية/لندن ، فرع بغداد ، 2018.
سليم حسين ياسين ، الحشد الشعبي لمقاومة الاحتلال البريطاني للعراق عام 1914-1918 والحشد الشعبي لمقاومة داعش 1915 (دراسة تاريخية مقارنة) ، مؤتمر الجهاد الكفائي الأول ، المحور التاريخي ، الامانة العامة للعتبة الحسيني المقدسة ، كربلاء المقدسة ، 2015.
صلاح عبد الحميد ، تنظيم داعش وإدارته الوحشية ، أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي ، مصر ، 2015.
عبد الرحمن البكري ، داعش ومستقبل العالم بين الوضع السياسي والحديث النبوي الشريف ، دار الغرباء للنشر ، ألمانيا ، 2015.
كامل جاسم دهش ، ثامر مكي علي ، من الشيخ الشيرازي الى السيد السيستاني (فتاوى حفظت وحدة العراق) ، مؤتمر الجهاد الكفائي الأول ، المحور التاريخي ، الامانة العامة للعتبة الحسيني المقدسة ، كربلاء المقدسة ، 2015.
مثنى محمد رضا الشرع ، السيد السيستاني ودوره في تاريخ العراق السياسي المعاصر ، مجلة افاق نجفية ، العدد الرابع والثلاثون ، السنة التاسعة ، النجف الاشرف ، 2014.
مجموعة مؤلفين ، في مواجهة داعش (آية الله العظمى السيستاني والحشد الشعبي بعد أحداث الموصل) ، دار الساقي ، مركز العراق للدراسات ، 2016.
محمد صادق الهاشمي ، رؤية في الحشد الشعبي خط المقاومة في العراق التأسيس والاستشراف ، الساقي للطباعة والنشر والتوزيع ، بغداد ، 2015.
محمد عبد العظيم الشيني ، التمويل الدولي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ، المكتب العربي للمعارف ، 2015.
محمد عفان ، الوهابية والأخوان (الصراع حول مفهوم الدولة وشرعية السلطة) ، جسور للترجمة والنشر ، بيروت ، 2016.