‘‘طريق الحرير بين البعد الاقتصادية والأثر السياسي‘‘
جمهورية العراق
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة كربلاء/كلية التربية للعلوم الإنسانيـة
قسـم التاريـخ/ الدراسات العليا/ الدكتوراه
مقال
‘‘طريق الحرير بين البعد الاقتصادية والأثر السياسي‘‘
بقلم
طالب الدكتوراه: م.م. محمد حسن يوسف الذبحاوي
مراجعة
أ.د. عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي
يسلط المقال الضوء على الأهمية الاقتصادية والآثار السياسية لطريق الحرير الاسم القديم الجامع لخطوط القوافل المنقولة براً وبحراً من وإلى الصين في اقصى الشرق مروراً بالقارة الآسيوية غرباً وصولاً إلى قلب أوربا والذي يمر بحوالي الـ(160) مدينة منها ما ساد سابقاً ومنها ما باد، ومنها بقاع غيرت معالمها وأسمائها وتعاقبت عليها الملوك وتبدلت فيها الأديان كــ(مملكة خوتان) الفارسية أنموذجاً.
أن أول من أطلق على الطريق هذه التسمية العالم الجغرافي الألماني فرديناند فون ريشتهوفين 1833-1905 أول من أطلق مصطلح (طريق الحرير) ، وكان ذلك في عام 1877 نظراً لأهمية ذلك الطريق وتأثيره في مجريات الأحداث العامة لاسيما السياسية والاقتصادية منها، وان التسمية ارتبطت بإنتاج الحرير الطبيعي الذي يعود اكتشافه الى حدود 2700 ق.م كما تشير النصوص الكونفوشيوسية، ووسع إنتاجه بجهود أسرة هان الصينية (206-220ق.م) وكان لهذا الامر أثراً سياسي كبير في فتح الطرق بين مقاطعات الصين الغربية وتسوية النزاعات بينها وبين مقاطعات وسط الصين، وقد كلف بهذا النشاط ممثل عن الامبراطور (تشانكيين) في اطار بعثة استكشافية لايجاد طرق تجارية سينفتح على الممالك الموجودة في اسيا الوسطى وكانت طرق الحرير برية وبحرية ينطلق الاول من (تشانغان) شمال الصين الى اسيا الوسطى والثاني بحري من ميناء (كانتون) من جنوب الصين الى الشواطئ الشرقية للهند وتحتفظ بعض المتاحف في الصين بنماذج فاتنة لسلعة المنسوجات الحريرية بجميع اشكالها، وهذا ان دل فهو يدل على ان طريق الحرير منذ نشأته الاولى له تأثيرات سياسية واقتصادية في جنوب القارة الآسيوية قبل ان يكون له تأثيرات سياسية أخرى على بلدان العالم.
كان ولايزال طريق الحرير محط اطماع الدول الاستعمارية فقديماً تنازعت عليه قوى مختلفة، لاحتكاره عن طريق بعض أجزاءه المهمة، ولم يكن العرب بمعزل عن التأثيرات التي نتجت عن طريق الحرير فقد كانوا يمثلون وسيطاً تجاريًّا مهما بين الشرق والغرب وتقوم تجارتهم في أغلبها على جلب الحرير من الصين، والتوابل والبخور من الهند.
كما وكان لطريق الحرير دوراً كبيراً في تقارب بعض البلدان سياسياً فمثلاُ نجد ان التاجر (إيزبرانت ياجر) الروسي الذي يرتبط بعلاقة وطيدة وخاصة بالقيصر الروسي أرسل على رأس وفد روسي الى الصين عام 1692م للمباحثات بخصوص بعض المعاهدات الخاصة بين البلدين وفيما يتعلق بالحدود الدولية بينهما بالاضافة الى قيام تقارب اقتصادي أوسع بين أسواقهما، ولم يقتصر الامر على التجار الروس بل ساهم في تقريب العلاقات السياسية الصينية مع دول اخرى ومنها بريطانيا التي ارسلت ايضا وفود ترأسها تجار مشهورين كان لهم دوراً في شركة الهند الشرقية البريطانية.
ان استمرار الصراع حول طرق الاتصال بين الشرق والغرب وما رافقه من اضطرابات سياسية وعسكرية لم تلغ هذه الطرق الهامة لكنها كانت تشجع طرق اخرى أي تارة يزدهر الطريق البحري على حساب الطريق البري والعكس، اذ اثرت التقلبات العالمية على اهمية طريق الحرير واغلقت عدد من مسالكه حتى بدأ الصراع الحقيقي حول الهيمنة الاقتصادية والسياسية ما بين الولايات المتحدة الاميريكية والصين لدرجة اصبح فيها اعادة فتح طريق الحرير من جديد يشكل مصدر خطر وقلق للدول العظمى ويأتي في مقدمتها بريطانيا والولايات وتهديد أسواقها ومستعمراتها.
وفي الماضي القريب تمكنت الصين من استعادة زمام المبادرة التجارية خلال عشرينيات القرن الماضي، عندما بدأت بالصناعات الخفيفة، ليشهد طريق الحرير البري والبحري إعادة نشاط التجاري لكن بشكل محدود نتيجة للسيطرة الأجنبية وفرضها التعرفة الجمركية التي تناسب حماية المنتجات الأجنبية.
اما في الوقت المعاصر أعلن الرئيس الصيني (شي جين بينغ) في آذار 1913عن مبادرة حزام واحد لطريق واحد بهدف الربط بين الصين وأوروبا ووسط آسيا والشرق الأوسط، وإقامة مشروعات عملاقة كالسكك الحديدية والطرق والموانئ البحرية لتعد هذه المبادرة باعتبارها رؤية تنموية طويلة المدى لتحقيق الاندماج الاقتصادي من خلال تطوير البنية الأساسية والإنتاجية، أحد البرامج الطموحة للسياسة الخارجية الصينية، ويشمل الحزام ستة ممرات اقتصادية تمتد من الصين إلى جميع أنحاء أوراسيا، حيث تمثل البلدان التي تمتد من غرب المحيط الهادئ إلى بحر البلطيق على طول طريق الحزام “منطقة للتعاون الاقتصادي وجاءت هذه المبادرة في سياق حديث للرئيس الصيني عن (الحلم الصيني) وما ارتبط به من إعادة إحياء طريق الحرير القديم التاريخي ، مما يشير إلى رغبة الصين في تطوير علاقاتها مع دول آسيا الوسطى وروسيا وأوروبا، و”طريق الحرير البحري”، الذي ينظر إليه على أنه محاولة لتحسين العلاقات مع جنوب شرق آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
أن التغييرات الإستراتيجية الدولية والإقليمية التي وقعت بعد الحرب الباردة أفرزت مقومات جديدة في السياسة الدولية على صعيد النظام الخارجي ويعلق على ذلك (شانغ يانيلغ) رئيس الدراسات الدولية في أكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية إلى أن مفهوم (الحزام الواحد والطريق الواحد) هو الإستراتيجية العليا للصين خلال الوقت الحاضر، لكن الإستراتيجية هنا ليس بمفهوم الفكر الاستراتيجي الغربي، حيث يُعد ان سعي الصين بهدف التنمية السلمية، والعزم على حمل المسئوليات كبلد كبير، فعلى الرغم من جميع تلك المساعي التي تشير اليها المبادرة، غير أن “المبادرة” تُعد جزء من منهاج بعيد المدى هدفه التكامل الاقتصادي لإقليم شاسع، ويعد “الحزام والطريق” طريقاً للتعاون والكسب، وطريقاً للسلام والصداقة، إذ يعزز التفاهم والثقة المتبادلة والتبادل في جميع المجالات، حيث تدعو الصين إلى التمسك بأفكار التعاون والسلام والاستفادة المتبادلة، الا ان الخصومة الجيوسياسية بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي دفعت الصين كقوة عظمى ناشئة في مواجهة مباشرة أكثر مع المصالح الأمريكية المتغيرة في مجالات أمن الطاقة وإسرائيل وإيران وتفاقم منحى العدائية المتزايدة هذا عندما ألقت إدارة ترامب باللوم في تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد على الصين وفي نواح كثيرة، تحولت الأولويات الأمريكية إلى مواجهة الحضور الصيني المتوسع في منطقة الشرق الأوسط من خلال المنافسة الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية بشكل أساسي، إلى جانب الخطابات السياسية عن التهديدات التي تشكلها الصين على العالمخصوصاً وان الاخيرة تسعى جاهدة لاعادة أزدها طريق الحرير من جديد في الوقت الراهن.
وفي ختام المقال نلاحظ كيف كان لطريق الحرير أهمية كبيرة في ربط شرق العالم بغربه وكيف لعب دوراً بارزاً في العلاقات السياسية بين البلدان التي تقع على طول امتداده، لدرجة استمرت فيها اهميته حتى الوقت الحاضر اذ كان ولا يزال مثار جدل له تبعات سياسية واقتصادية على علاقات الدول العظمى ويأتي في مقدمتها الصين والولايات المتحدة الامريكية.
أعتمد المقال على المصادر التالية:
أيرين فرانك ، ديفيد براونستون ، طريق الحرير ، ترجمة أحمد محمود ، المجلس الاعلى للثقافة ، 1986.
علي صباح صابر ، الصين وطريق الحرير الجديد ، مجلة اشراقات تنموية ، العدد 29 ، المجلد 6 ، 2021.
عمار شرعان ، مبادرة الحزام والطريق الصينية: مشروع القرن الاقتصادي في العالم ، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاسترتيجية والسياسية والاقتصادية ، برلين ، 2019.
غازي فيصل غدير ، العلاقات العربية الصينية ومبادرة احياء طريق الحرير (دراسة تاريخية) ، مجلة كلية المأمون ، العدد 35 ، 2020.
قاسم محمد عبيد ، ريا عبد الحسين مانع ، التوجهات الإستراتيجية في مبادرة الحزام والطريق الصينية دراسة في التوجه الطاقوي ، مجلة قضايا سياسية ، جامعة النهرين ، العدد 62 ، 2020.
محمد مطاوع ، طريق الحرير الجديد في السياسة الصينية الأهداف الكبرى والوزن الاستراتيجية والتحديات ، مجلة سياسات عربية ، العدد 46 ، 2020.
المكتبة الوطنية بالصين (تحرير) ، على طريق الحرير تاريخ التجارة بين الصين والعالم القديم ، ترجمة: مروة السيد ، دار صفصافة للنشر والتوزيع ، فلسطين ، 2019.