مشكلة الفيضانات  في وادي الرافدين القديمة
اعداد : م.م زينب حمود كزار
كلية التربية للعلوم الانسانية –قسم التاريخ 
جامعة كربلاء
مقدمة:
   وبما إنَّ الحياة الاقتصادية للدولة تتأثر بالفيضانات, فلم يقف الملوك والحكام مكتوفي الايدي تجاه هذه المشكلة ذات الابعاد الكثيرة , لذلك كان واجبا على الملوك والحكام ان يقوموا بأمور مهمة من شأنها ان تمنع تأثير الفيضان او على الاقل ان يقللوا منها وذلك عن طريق اقامة مشاريع السدود والاهتمام بتنظيم الري وكذلك العمل بكل جهد من أجل صيانة القنوات وتنظيفها بصورة دورية
   شكلت انظمة الري في العراق القديم احد اهم الانجازات الهندسية للحضارة العراقية ولان العراق يقع في منطقة شبه جافه مع انخفاض في مستويات المطر اصبح الاعتماد على مياه نهري دجلة والفرات والعمل على ايجاد انظمة ري امرا مهما وحيويا لعملية الزراعة وما لها من تأثيرات في استقرار المجتمعات عامة والمجتمع الزراعي على وجه الخصوص, لذلك تطورت تقنيات الري بشكل متزامن مع تطور الحضارات التي وجدت في العراق القديم مما اثر بشكل كبير على التنظيم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على المنطقة , والتي اعتمدت في ريها على الفرات بطيء الجريان ومناسب للري المستمر , ودجلة الذي كان سريع الجريان وهناك صعوبة في التحكم بالري عن طريقه , وكذلك وجود الفيضانات التي كانت تحدث بسبب ذوبان الثلوج في الجبال , كما كان التصحر الذي تعيشه البلاد وتراكم الاملاح في التربة تأثيرا كبيرا على الري في ذلك الوقت , فضلا عن تغيير في مجاري الانهر بسبب الرواسب الطينية.
التطور التاريخي لأنظمة الري
    ظهرت اولى المحاولات لتطوير انظمة الري في العصر السومري(3500-2000) ق.م عن طريق شق القنوات ومحاولة ايصالها الى المناطق الزراعية, وظهرت وظائف تخص الري مثل مسؤول الري والذي يدعى لوالس ومشتق من الجذر السومري (LUL) وتعني ادارة القناة او تدفق الماء , حيث ورد ذكره في الواح مدينة جرسو, حيث كان له الدور المحوري في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والزراعي للمدن من خلال تحديد مسارات القنوات وادارة عملية توزيع المياه والعمل على الصيانة الموسمية للقنوات , وفي العصر البابلي زادت شبكة القنوات واصبح هناك توسعا في حفر الاقنية وتنظيف مجاري الانهر وادخلت بعض المواد القانونية التي تفرض على الفلاحين الاهتمام بمجرى الانهر الذي يمر بأراضيهم وتنظيف القنوات وتقنين هذه الاوامر بشكل مواد وجدت في شريعة حمورابي(المادة 53- 56),وفي العصر الاشوري ظهرت التطورات في مجال القنوات حيث ظهرت القنوات المعلقة مثل قناة جراكوش التي بناها سنحاريب وابتكار القنوات الحجرية على قناطر فوق الوديان وكذلك استخدام القار لمنع تسرب المياه الجارية(تغليف القنوات) وكان المسؤول عن كل ذلك موظف رفيع المستوى اطلق عليه (رب بيت مائي) وتعني مسؤول بيت المياه.
التطور في ادارة الري
  ان الفيضان التي يحدثه نهر الفرات يتم اصلاحه عن طريق سد الثغرات ,ويطلق عليه البطخة وهو عبارة عن لفائف من الشوك والبردي تلف بالحبال والقصب وسعف النخيل ,وبعدها طريقة المرادي مصنوعة من حصائر القصب وهي موجودة في الوقت الحالي لدى سكان الاهوار لسد التيارات المائية ,والاحتفاظ بالمقاء لسقي مزارع الرز 
   وقد اعطى حكام وادي الرافدين اهمية قصوى للموضوع, ففي رسالة ارسلها الملك حمورابي الى شماش-هاسر تتعلق بأعمال الري,حيث يخبره عن فيضانات الفرات الذي مَّر ببابل واقترب من مدينة لارسا ,لان عملية الفيضان تؤدي إلى تحطيم السدود,ونتيجة لذلك كان حمورابي يعين موظفين لحفر قناة تحويل المياه الفائضة, ولم ينتظر الانسان العراقي العادي المساعدة التي قد تتأخر عليه وهو يشاهد الفيضانات تُغرِق أرضه, فقد ابتكر طرق تحول دون فعل الفيضانات,فقد اتقن السومريون انشاء السدود بأستعمال القصب والبردي مع التراب لدرء اخطار الفيضانات, كما اتقنوا انشاء المسنيات بالاجر والقار, لصيانة الضفاف من التأكل والانجراف لتيار الماء وكانت صيانة الانهر الرئيسية  وازالة رواسب الغرين من الجداول من الامور الملزم بها ,وهناك تسجيلات عديدة تحدد الاعمال المطلوب انجازها من قبل الزراع تذكر اعماق الاتربة المطلوب رفعها من قعر الجداول او انشاء سد يعد من الاحداث المهمة في سجلات الملوك الرسمية  . كما اهتم الملوك بعملية تنظيف القنوات واعطوا للموضوع أهمية قصوى وهذا ما يتبين لنا من قيام الملك حمورابي بمحاسبة الاهالي القريبين من الانهار والقنوات,لان نقص المياه وخصوصا مياه الامطار قد اجبرت العراقي القديم ان يقوم بالزراعة السيحية والتي تعتمد على الري بالواسطة مما دفع به ان يبذل مجهودات كبيرة من اجل تنظيم عملية السقي وما تحتاج اليه من ايجاد قنوات والعمل على ادامتها وتنظيفها     
ظهرت هناك ابتكارات في ادارة الري في العراق القديم حيث ظهر نظام الحصص المائي والتوزيع حسب المرتبة (معبد 40% – القصر 35 – العامة 25%) , كما ظهرت العقوبات على المتجاوزين على الحصص المائية بفرض 10 شيقل فضة على السارق , كما وضع جدول زمني لتنظيف وصيانة القنوات بتنظيف ربيعي بعد الفيضان واصلاحات شتوية استباقية
الخاتمة
  1. مثل نظام الري في العراق القديم قمة التطور الهندسي والاداري حيث يعد انجاز حضاري 
  2. العراقيين اول من طبق مفاهيم الادارة المتكاملة للموارد المائية والعمل على الاستفادة القصوى من توفرها
  3. ظهور تطورات تقنية مذهلة عن طريق تصميم قنوات متفرعة بدقة هندسية عالية واستخدام انظمة تحكم متطورة والعمل على بناءها بمواد بناء مبتكرة 
  4. ظهور نظام اداري متكامل بشكل هرمي وكذلك العمل على تشريعات مائية دقيقة والزج بها في القوانين المهمة ومنها قانون حمورابي وظهور سجلات محاسبية مفصلة
  5. يعد العمل الذي قام به العراقي القديم اساس الثورة الزراعية الاولى وادى الى نمو وازدهار التجارة مما اثر على الحضارات البقية 
  6. يمكن الاستفادة حديثا من نماذج الادارة المستدامة للمياه والعمل على حلول مبتكرة للتحديات البيئية القائمة وتكامل المعرفة العلمية مع التنظيم المجتمعي
المصادر
1- احمد سوسة,فيضانات بغداد في التاريخ,دار ميزوبوتيميا,بغداد,ط2, 2013,
2- عبد الرضا الحميري,العطش المر في بلاد وادي الرافدين:الانهار بين (التخريب والتنظيم وتعسف الجوار),ط1,دار الفرات,الحلة, 2010
-3-Graham Faiella,The technology of mesopotamia,The Rosen publishing group,NewYork,Usa,1stedi,2006
4-جاسم شهد وهد,الزراعة خلال العصر البابلي القديم(2004-1595) ,مجلة القادسية,مج11,عد3, 2008
5- ليو اوبنهايم,بلاد مابين النهرين,ترجمة سعدي فيضي,دار الرشيد للنشر,بغداد,1981