الألوان ودلالاتها الاسلوبية 
م.د كرّار جواد المفرجي
جامعة كربلاء
كلية التربية للعلوم الانسانية
قسم اللغة العربية
المقدمة
تعد الألوان عنصرًا جماليًا ودلاليًا مؤثرًا في تشكيل النصوص الأدبية والفنية، إذ تلعب دورًا بارزًا في تعزيز الأسلوبية النصية من طريق الإيحاءات النفسية والثقافية التي تحملها، فالألوان ليست مجرد صفات بصرية، بل هي رموز تعكس المشاعر والأفكار وتؤثر في طريقة تلقي القارئ للنص. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل العلاقة بين الألوان والأسلوبية النصية، وكيفية توظيفها لتعزيز الدلالات الجمالية والتأويلية في الكتابة.
  1. الألوان في اللغة والأدب: الإطار النظري  
الألوان في النصوص الأدبية لا تقتصر على وصف المشاهد المرئية، بل تتعداها إلى حمل دلالات رمزية ونفسية، فلكل لون تاريخ ثقافي ونفسي يؤثر في تفسيره، مثل:  
– الأحمر: يرمز إلى العاطفة الجياشة، العنف، أو الحب.  
– الأزرق: يرتبط بالهدوء، الحزن، أو الروحانية.  
– الأخضر: يدل على الطبيعة، الأمل، أو التجدد.  
– الأسود: يرمز إلى الموت، الغموض، أو الأناقة.  
يستخدم الكُتّاب الألوان كأداة أسلوبية لتعميق المعنى، سواءً عبر الوصف الحسي أو الرمزية المجازية. ففي الشعر العربي القديم، مثلاً، يُستخدم اللون الأبيض لنقاء القلب، بينما في الأدب الحديث قد يُوظف ليعكس الفراغ أو البراءة.
  1. الأسلوبية النصية وتوظيف الألوان
الأسلوبية (Stylistics) تدرس الخصائص اللغوية التي تميز نصًا عن آخر، وتكشف عن تأثيرها الجمالي. وعندما يتعلق الأمر بالألوان، يمكن أن تتجلى الأسلوبية من طريق:  
أ. الانزياح الدلالي
كسر التوقعات اللونية الشائعة لخلق دلالات جديدة، مثل قول الشاعر: “أسودُ كالصبحِ في عينيهِ نورُ”، إذ يُستعمل الأسود بشكل مغاير للدلالة على الجمال بدلاً من الكآبة.  
ب. التكرار اللوني
تكرار لون معين في النص لتعزيز فكرة أو عاطفة، كما في روايات “غابرييل غارسيا ماركيز”، إذ يتكرر اللون الأصفر ليرمز إلى المرض أو القدر المحتوم.  
ج. التناقض اللوني
استخدام ألوان متضادة لإبراز الصراع أو المفارقة، مثل الأبيض والأسود في وصف الصراع بين الخير والشر.  
  1. الألوان والتأثير النفسي في القارئ
تؤثر الألوان داخل النص في نفسية المتلقي بطرق لا واعية، فمثلاً:  
– النصوص الغنية بالألوان الدافئة (كالأحمر والبرتقالي) تثير مشاعر الحماس أو القلق.  
– النصوص التي تعتمد الألوان الباردة (كالأزرق والأخضر) توحي بالسلام أو الكآبة.  
وهذا ما يستغله الكُتّاب لتوجيه انفعالات القارئ، كما في رواية “العجوز والبحر” لإرنست همنغواي، إذ يعكس اللون الأزرق العميق صراع الإنسان مع القدر.  
  1. دراسة حالة: تحليل نصي
لنأخذ مثالاً من قصيدة “أحمر شفاه” لنازك الملائكة:  
“أحمرُ كالدمِ، أحمرُ كالعارِ، أحمرُ كالوردِ حين يذوي” 
هنا، يتكرر اللون الأحمر بثلاث دلالات مختلفة (العنف، الخجل، الجمال الزائل)، مما يخلق أسلوبية غنية تعكس تناقضات المشاعر.  
نخلص الى:  
تثبت الدراسة أن الألوان ليست عناصر زخرفية فحسب، بل أدوات أسلوبية عميقة تؤثر في بنية النص وتأويله. فالكُتّاب المتمرسين يستخدمون الألوان لتعميق الدلالات، تحفيز المشاعر، وبناء عالم نصي مكتمل الأبعاد. لذا، فإن فهم العلاقة بين الألوان والأسلوبية يُعد مفتاحًا لتحليل النصوص الأدبية وتحقيق تفاعل أعمق بين القارئ والكتابة.  
عدد المشاهدات: 5