حركة “علي هدلة” في الميزان1

حركة “علي هدلة” في الميزان

د. حيدر صبري شاكر الخيقاني.

كلية التربية للعلوم الانسانية- قسم التاريخ

شهدت مدينة كربلاء عام 1876 حركة مناهضة للحكم العثماني، تزعمها احد ابناء المدينة المدعو “علي هدلة” بسبب رفض شباب المدينة، المكلفين بالخدمة العسكرية، الانضمام للقوات العثمانية بعد ان اعلنت الحكومة العثمانية النفير العام استعدادا لإعلان الحرب على روسيا، وعلى اثر ذلك كلفت الحكومة بعض الاشخاص، ومنهم مختار محلة “باب الطاق”، للوشاية بالأشخاص الذين يعلنون رفضهم لسياستها. فقام بعض الناقمين على الحكومة بقتل ذلك المختار، فاتخذت الحكومة المحلية الاجراءات اللازمة للقبض على المتهمين، ففر جماعة منهم وتجمعوا في بستان بالقرب من المدينة وأعلنوا خروجهم عن الحكومة وحرضوا الاهالي المتذمرين من سياستها على الانضمام لهم، وقد لاقت دعوتهم قبولا من ابناء المدينة، وقام هؤلاء الشباب بتكوين قوة قتالية من حوالي(150) مقاتل بزعامة “علي هدلة”، وحدثت بعض المواجهات بينهم وبين القوات العثمانية وتمكنوا من الحاق الخسائر بتلك القوات، وقد وقف الى جانبهم بعض الشخصيات المعروفة في المدينة مثل الحاج محسن كمونة والحاج حسن شهيب وساعدوهم بالحصول على المؤن والذخائر، كما ساندهم بعض ابناء عشائر المدينة ايضا، وعندما علمت الحكومة المركزية في اسطنبول بذلك قررت القضاء على تلك الحركة واصدرت اوامرها الى والي بغداد “عاكف باشا” والمشير حسين فوزي لقيادة حملة عسكرية على كربلاء. وتم تنفيذ تلك الاوامر وتوجهت الحملة الى كربلاء الا أنها لم تعثر على الثوار. ولم تجد اية مظاهر للعصيان في المدينة، وابلغ الوالي الحكومة العثمانية في اسطنبول بذلك فأصدرت له الاوامر بالعودة مع قواته الى بغداد، وقبل خروج قوات الحملة من المدينة قامت بإلقاء القبض على حوالي سبعين شخصا من الأهالي بتهمة التمرد على الحكومة، وكان من بين المعتقلين علي هدلة وبعض الوجهاء وتم نقلهم الى بغداد وسجنوا هناك لمدة عام تقريبا ثم اطلق سراحهم.

 ومن خلال دراستنا لتلك الحركة واحداثها نلاحظ انها حركة وطنية شعبية موجهة ضد الحكومة العثمانية وسياستها تجاه اهالي المدينة. ولكن ما يجب علينا الوقوف عنده هو ان بعض المصادرالتي تطرقت الى تلك الحركة عدتها “حركة تمرد بغير حق” على السلطة العثمانية، وقد وصف علي هدلة وانصاره بأنهم “عصابة خارجة على القانون يعبثون بالأمن”  بل ان بعضها تطرق للحركة تحت عنوان “فتنة علي هدلة( ومنها كتاب بغية النبلاء في تاريخ كربلاء). ومما لا شك فيه ان هذا بعيد كل البعد عن الواقع، والسبب الذي جعل معظم الذين كتبوا عن تلك الحركة يحكمون عليها بهذا الشكل هو لانهم اخذوا معلوماتهم من الوثائق والمؤلفات العثمانية التي تعبر عن وجهة نظر العثمانيين، الذين مما لا شك فيه يدينون تلك الحركة ويعتبرونها “فتنة”، كونهم يعدون كل من يخرج عن سلطتهم هو خارج عن القانون ومتمرد على سلطتهم. ولكن في حقيقة الامر ان من يدرس احداث تلك الحركة واهدافها سيجد انها حركة وطنية شعبية موجهة ضد السلطة العثمانية وسياستها الرامية لإرغام الاهالي على الانضمام للقوات العثمانية وزجهم في حرب ليس لهم اي مصلحة فيها.

 ومن هنا علينا ان نقف عند الاحكام التي اتخذت بحق تلك الحركة وبحق من شارك فيها من ابناء المدينة والتي وردت في بعض المؤلفات التي تطرقت لها، معتمدة على وجهة نظر العثمانيين فيها، وذلك من اجل تسليط الضوء على حقيقتها، وانصافا لمن شارك فيها، لأنها في الواقع حركة وطنية وليس كما عدها العثمانيون، ومما يؤكد ذلك انها حصلت على تأييد ابرز وجهاء المدينة الذين قدموا لها الدعم المادي والمعنوي. وهذا يدل على انها لم تكن موجهة ضد ابناء المدينة ولم “تعكر صفو الامن” كما وصفتها بعض المصادر، وخير دليل على ذلك حالة الاستقرار الامني التي كانت سائدة في المدينة بعد دخول القوات العثمانية اليها، وهذا ما اعترف به قادة الحملة انفسهم وابلغوا به الحكومة المركزية في اسطنبول. كما ان تلك الحركة سلطت الضوء على مدى تذمر الاهالي من السياسة التي مارستها الحكومة العثمانية تجاههم، تلك السياسة التي كانت من ابرز مظاهرها ما قامت به القوات العثمانية بعد دخولها للمدينة واعتقالها حوالي سبعين شخصا من الاهالي ونقلهم الى بغداد وزجهم في السجون ولم يطلق سراحهم الا بعد عام من تلك الاحداث. لذلك يمكن القول ان تلك الحركة لم تكن حركة تمرد بغير حق، وليس فتنة، ولم تعكر صفو الامن داخل المدينة، ولم تكن موجهة ضد الاهالي. بل  انها تعد من اولى الحركات الوطنية الشعبية التي قام بها ابناء مدينة كربلاء المقدسة ضد الحكم العثماني ونجحوا في مواجهة القوات العثمانية والحاق الخسائر بها على الرغم من امكانياتهم البسيطة.