مراحل وضع التصاميم الأساسية لمدينة كربلاء

مراحل وضع التصاميم الأساسية لمدينة كربلاء

                                                    الأستاذ الدكتور رياض كاظم سلمان الجميلي

أستاذ جغرافية المدن في جامعة كربلاء

   أنماتمتازبهالمدينةككيانماديتبلورعبرمراحلتاريخيةعمرانيةمختلفةأنهاتحملدلالاتعمرانيةوحضاريةمتنوعةحملتهاعبرطياتنموهاالعمرانيالمعقد،فالتاريخالعمرانيللمدينةباتيشكلفيأدبياتالتخطيطالحضريعلامةمهمةيستوحيمنهاالمخططالطرقالتقليديةالمعماريةالتيتكونتمنخلالهاالمدنوالتيعادةماتفرزهاتفاعلجملةمنالعواملالتيمربهاهذاالتاريخاقتصادية،اجتماعية،جغرافيةوحتىسياسيةالأمرالذيجعلمنالمدينةونسيجهاالحضرييتكيفمعمثلهذهالمعطياتوالظروفالمكانيةوالسكانيةالتيعاشتفيظلها،وفيوقتناالحاضرتطورتمثلهذهالأساليبوالطرقالتينتعاملبهامعواقعبيئاتناالحضريةضمنمسمياتمختلفةكأساليبالتخطيطالحضريوالعمرانيووضعالمخططاتوالتصاميمالأساسيةللمدنوالمشاريعالعمرانيةوالخدميةالكبيرةوغيرهامنالأساليبالتيتضمنلناتعاملمفيدمعالبيئةالحضريةالتينعيشفيها              

مفهوم التصميم الأساسي

وهنا يمكن وضع مفهوما مبسطا للتصميم الأساسي للمدينة بأنه أطار عمل يتعامل مع متغيري المكان والزمان معاً للمستوطنة وأقاليمها ، وعادة ما يكون التصميم يعمل بمراحل زمنية متعددة يحكمها فاصل زمني ثابت ، وعادة ما توضع هذا التصاميم الأساسية لفترات زمنية معينة يتم من خلالها استيعاب جميع المتغيرات الحضرية والسكانية الاعتيادية والمفاجئة والسيطرة على نمو المدينة وتوجيهه وكذلك يمكن تصور التصميم الأساسي بأنه مجموعة من الأفكار والتجارب والرؤى المنظمة والمستندة إلى مقومات جغرافية موجودة على الأرض يستمدها المخطط من بيئة المدينة وواقعها المكاني بكل تفاصيله ، فلا يعني التصميم الأساسي بأنه مجموعة من المخططات الهندسية والتصميمية التي يضعها مجموعة من المختصين في مجال الهندسة والأعمار ومشاريع البناء والتشييد كما يتصور البعض ، كما لا يمكن اعتبار الخطوات التخطيطية التي تقوم بها بعض بلديات المدن بأنها تصاميم أو مخططات أساسية أو تصور بعض القرارات أو المشاريع العمرانية التي تنفذها بعض الشركات المحلية أو الأجنبية بأنها تصاميم أساسية ؟ إذن ما هو التصميم الأساسي للمدينة ؟ ومن الجهة المسؤوله عن وضعه ؟ فالتصميم الأساسي وفقاً لما ذكر آنفاً هو خريطة عمل متكاملة تستند إلى المقومات الفعلية التي تتمتع بها المدينة جغرافياً واقتصادياً واجتماعياً وبيئياً … الخ فهو اذن مشروع عمل متكامل قائم على خصائص ومتغيرات المدينة نفسها لأنه يوضع لأجل المدينة وحل مشاكلها لفترات زمنية محددة ، فالتصميم الأساسي الناجح ينطلق من المدينة وينتهي بها آخذاً بنظر الاعتبار العديد من المؤشرات الحضرية والسكانية والبيئية والتي لا يمكن إغفال أي منها ، والتي تشكل بالأساس جوهر التصميم ودعائم نجاحه ، لأن المدينة بطبيعة نموها وتوسعها تحتاج إلى من ينظم ويوجه هذا النمو المتزايد بطرق وبدائل سليمة تكفل لها مرونة عالية من الحركة والنمو الذي لا تدفع المدينة ثمنه مستقبلاً .                              

   الجهة المسؤولة عن وضع التصاميم الأساسية للمدن

       السؤال الأهم في هذا الموضوع هو من هي الجهة المسؤولة عن وضع التصميم الأساسي للمدينة ورسم سياسته المكانية عبر مراحل تنفيذه الطويل ؟ وهنا يمكن القول إنه لا توجد جهة محددة بعينها تتضمن تخصصاً معيناً يقع على عاتقه مسؤولية وضع التصميم وتحديد أبعاده المكانية والزمانية والسبب في ذلك يعود إلى تعقيد بنية المدينة وتداخل مفاصلها ومتغيراتها ، فالمدينة ليست مجرد كتلة عمرانية هامدة ؟ ولا كتلة سكانية متحركة وليست أشكال هندسية ومعمارية متعددة الإشكال ! وإنما المدينة على حد تعبير مختصيها بأنها النتاج النهائي لتفاعل الإنسان مع المكان والبيئة بغية الاستقرار الدائم والمحكوم بالوسائل التكنولوجية والحضارية المتطورة لتحسين سبل العيش ، فهذا التعقيد والتداخل المفصلي في عمل المؤشرات الحضرية داخل إطار المدينة جعل أمر تخطيطها أمراً في غاية الأهمية والحساسية والصعوبة بنفس الوقت ، لذا توجب استدراك الكثير من ذوي التخصصات العلمية والمهنية التطبيقية ذات العلاقة بمتغيرات المدينة أهمها الجغرافيا وعلوم التخطيط والاقتصاد وعلم الاجتماع والهندسة والبيئة والقانون تجتمع هذه التخصصات العلمية بروافدها المتعددة لتضع الأسس العامة للتصاميم الأساسية ، ولكي يتم استيعاب جميع المتغيرات المكانية للمدينة أنفة الذكر يجب الاستعانة بهذه الخبرات العلمية لكي يدرس كل متخص المدينة من زاويته الخاصة ومن ثم يتم الوقوف على أبرز نتائج هذه الدراسات الدقيقة ضمن أطر ومناهج علمية متكاملة تحفظ جميع أبعاد المدينة المكانية والزمانية والحضرية تنصب هذه الجهود ضمن إطار عمل متكامل يسمى عندئذ المخطط العام للمدينة أو التصميم الأساسي الذي يتم تقدمه للجهات المنفذة بمراحل زمنية مدروسة بدقة ، تخضع لعمليات المراقبة والتقييم المستمرين.                                                                                        

   الخطة الأولى لمدينة كربلاء

   عــادة ما يستفاد من دراسـة خطة المدينــة في الدراسات الحضرية في تحديد عناصرها المورفولوجية ومراحل تطورها التاريخية بالشكل الذي يجعل من خطة المدينة بمثابة سجلاً تاريخياً للتطور ألمديني الذي شهدته المستوطنة والذي يعكس بنفس الوقت جملة التطورات الاجتماعية والتخطيطية والعمرانية التي وجدها الإنسان على أرض المدينة كما يفسر أحياناً مدى قابلية الإنسان في التكامل الحضري مع بيئته الجديدة ، وتجدر الإشارة هنا انه لأبد من التأكيد على الحقيقة المهمة والتي تكاد تكون مسلم بها جغرافياً وهي لا توجد أدله جغرافية كافية على وجود تجمع حضري – عمراني – بدائي في موضع مدينة كربلاء قبل عام (61هـ – 680م) وإنما تناقلت المصادر التاريخية عن وجود نوعاً من التجمعات الأولية المتناثرة بالقرب من الواحات وطرق نقل القوافل التجارية القريبة من المنطقة على شكل قرى يسكنها البدو يضاف إلى ذلك وجود بعض التجمعات الزراعية على نهر العلقمي الذي كان يمر بالقرب من موضع المدينة الحالي والذي شجع بعض القرى القريبة على ممارسة الزراعة بدلا من حياة الترحل والتنقل المستمر في الصحراء .                                          

       إذن التاريخ الحضري لمدينة كربلاء بدأ بعد واقعة الطف ومقتل الإمام الحسين (ع) فيها والفترة الزمنية التي تلته والتي تجاوزت الأكثر من خمسة أعوام متتالية أي في بداية سنة 685م بعد أن تم تثبت العلائم الأولى للقبر الشريف وأصبح معروفاً لدا محبيه وأنصاره ، ومن هذا العام بدأت النواة الأولى للمدينة تبدأ بالتشكل والظهور بعد أن أصبحت مركزاً لجذب القبائل المترحلة للسكن بجواره والاستفادة من توافد المسلمين نحوه بشكل يكاد يكون مستمر وقد استمرت هذه المرحلة العمرانية الأولى بظهور بعض السكن الملاصق للقبر والكثيف في بعض الأحيان ، ويمكن القول إن النواة الأولى للمدينة شكلها القبر الشريف وللفترة الممتدة من سنة 685 واستمرت طيلة حكم الدولة الأموية وسقوطها سنة 750م وما تلاها ، امتازت هذه المرحلة الأولى من عمر المدينة بكونها فترة تشكل النواة الرئيسية الأولى للمدينة ذات الطابع الديني حيث شكل القبر الشريف نواة الجذب الأولى للسكن والزيارة وقد أخذ السكن في هذه المرحلة نمط المساكن الصغيرة المتراصة وشديدة التجاور والتلاصق بالقبر الشريف مستفيدة من هذا المبدأ في مقدار حصولها على الخدمات البسيطة كالأمن والطعام والحصول على الهدايا وتسمى هذه المرحلة في أدبيات المدن الإسلامية بمرحلة (التكوينات الأولية) التي تمتاز ببناء القبر وتسقيفه وإحاطة المدينة بسور للمحافظة عليهوهنا يمكن تحديد هذه الفترة العمرانية الأولى التي عاشتها مدينة كربلاء تاريخياً من (680م – 1869) والتي عاشت المدينة من خلالها مرحلتين مهمتين هما (مرحلة النشأة ومرحلة النمو) هذين المرحلتين شهدتا ظهور بوادر مدينة كربلاء الأولى ومراحل تشكيلها الحضرية ، نتيجة لوقوع المدينة وبداية نموها تحت تأثير العامل الديني الذي تأسست بموجبه وتجدر الإشارة إلا إن أغلب المدن الإسلامية التي أسسها الدين امتازت بسرعة نموها وتطورها باستثناء مدينة كربلاء التي هي في الأساس من أبرز المدن الإسلامية التي يقف وراء قيامها ونشأتها العامل الديني إلا أنها تختلف عن المدن الإسلامية الأخرى كونها عصفت بها رياح السياسة الأموية والعباسية مما أثرت على سرعة نموها تارة وركودها وتعرضها للانهيار تارة أخرى ، الأمر الذي جعل من المدينة تستغرق فترات زمنية طويلة في عملية التشكيل والنشأة وما وصلت إليه المدينة من بنية حضرية في هذين المرحلتين لا يتعدى كونها مجموعة من الدور البسيطة ذات تجمع بدائي كثيف حول القبر الشريف ، فطبيعة الموضع الجغرافي البسيط ذات الصفة السهلية المنبسطة الذي يمتاز بعدم وجود تموجات في مظاهر السطح وذات التربة المزيجية القابلة للزراعة بأدنى ظروف مناخية مع توفر كميات من المياه السطحية والجوفية لا بأس بها ساعدت المدينة على تخطي العديد من العقبات الطبيعية التي تجابهها ،                                          

   أما نظام الشوارع الذي تشكل في مدينة كربلاء فإنه لا تختلف كثيراً عن تطور نظام الشوارع في مدننا العربية الإسلامية الذي يمتاز عادة بالعضوية ذو المسارات والأزقة الضيقة المتصل بشكل عضوي شبكي تنتهي جميع مساراته وشوارعه عند المنطقة المركزية للمدينة وتحديداً عند القبر الشريف والمنطقة المحيطة به من جميع الجهات وهذا النمط من الشوارع محكوم بمركزية عالية من سيطرة المركز على جميع الأطراف، وتمتاز هذه الشوارع الرئيسية الفرعية بالعشوائية وذات المسارات غير المخططة على الإطلاق وأحياناً يسودها النمط المتقطع إلا أنه يمتاز بدرجة عالية من الانسيابية في الحركة الأمر الذي يحقق للسكان درجة لا بأس بها من سهولة الوصول باتجاه المنطقة المركزية للمدينة إلا أنه لا يحقق أية نوع من الاندماج والاتصال بين أطراف المدينة الأربع مع بعضها البعض لعدم وجود نظام الشوارع الحلقية أو الدائرية التي مهمتها الربط بين جهات المدينة المتعددة وتبقي السيطرة التامة على مسارات الحركة في المدينة مربوطة بالمنطقة المركزية ودرجة تأثيرها ، أما ما يتعلق بتوزيع الفضاءات والمناطق المفتوحة في النسيج الحضري للمدينة فلا وجود لفضاءات وظيفية تتخلل الكتلة العمرانية في المدينة بشكل ملحوظ بسبب تلاحم الوحدات السكنية والعمرانية بشكل كبير من جانب واستغلال مثل هذه المناطق أن     وجدت باستعمالات مختلفة من قبل السكان من جانب آخر ، وهذا يمكن تعليل الشكل الأقرب إلى الدائري الذي اتخذته المدينة في خطها الأولى ، أما عنصر تنظيم الأبنية وتوزيع استعمالات الأرض الأخرى فقد شكل الاستعمال السكني الجانب الأبرز لمدينة كربلاء وهذا من خلال ما صرحت الرحلات الجغرافية للمدينة والتي تضمنت العديد من الرحالة العرب والأجانب الذين بالغوا في وصف الدور والمساكن المحيطة بالقبر الشريف والمبنية من الطين والقصب ومواد البناء البسيطة والتي تتخللها بعض المتاجر والأسواق الصغيرة لعرض بعض المنتوجات المصنوعة محلياً كالخزف والسجاد والكاشي التي امتازت المدينة بصناعته منذ القدم ، فضلاً عن بعض الخانات المصممة أساساً للأغراض الخزن واستراحة الزائرين ، ويتضح من خريطة توزيع استعمالات الأرض الحضرية في المدينة في مراحلها الأولى أنها امتازت بسيادة الكتلة السكنية التي شكلت أكثر من 80% من مساحة المدينة العامة فتوزيع المحلات السكنية تمركز بالقرب من القبر وعلى مختلف جهاته الأربع مشكلاً ستة محلات سكنية ذكرها الرحالة بالاسم هي محلة باب السلالمة وباب الطاق شمالاً وباب بغداد وباب الخان شرقاً ومحلة باب النجف جنوباً ومحلة باب المخيم غرباً متخذة من السور الكيان المادي الذي لا يمكن الخروج عليه مهما كلف الأمر لأنه العنصر الذي يوفر لها الأمن والطمأنينة ،                            

   امتازت هذه الفترة من عمر المدينة بشكل عام وجميع ظروفها الموضوعية أن ظاهرة الأسوار التي تمثل الكيان المادي لمعظم المدن في العالم في تلك الفترة وهو بمثابة العامل المؤثر في مورفولوجية المدينة الإسلامية تحديداً كون السور وشكله الخارجي هو المحرك الأساسي لتوسع المدينة بداخله فكيفما كان شكل السور نمت المدينة تماشياً معه ، فقد شكل السور الأول الذي أحاط بمدينة كربلاء سنة 980م والذي قدرت مساحته 2400 قدم هو المحور الأساسي لشكل مدينة كربلاء وتركيبها الداخلي والذي عاشت المدينة بداخله أكثر من ثمانية قرون متتالية إلا إن تم إحاطتها بسور جديد سنة 1802م والذي أخذ الشكل الدائري وجعلت له ست أبواب رئيسية .                                                              

اولا: خطة الولي مدحت باشا

     في الواقع عرف الوالي العثماني مدحت باشا بأنه لم يكن كبقية الولاة العثمانيون الذين حكموا العراق طيلة خمس قرون من عمر الإمبراطورية العثمانية بل كان واحداً من عظمائها ، فقط أشتهر بولعه بمظاهر الحياة العمرانية والإصلاح المدني متخذاً من تقليد الحياة الأوربية سبيلاً لإصلاحاته وقد شهدت خلال فترة حكمه الكثير من المدن العراقية إصلاحات عمرانية ومدنية كبيرة مثل مدينة بغداد والناصرية وكربلاء وغيرها اذ أستطاع أن يدخل للعراق مظاهر عمرانية جديدة ومنها ما طبق في مدينة كربلاء التي زارها الوالي مدحت باشا سنة 1869م فأمر بهدم جزءاً من السور المحيط بها وتحديد من جزئها الجنوبي والجنوبي الغربي لكي يفسح المجال أمام جميع الإصلاحات العمرانية الرامي إجرائها لتخفيف حدة الازدحام والكثافة العمرانية التي شهدتها المدينة في تلك الفترة ، فأحدث توسعاً عمرانياً جديداً على الطراز الحديث في التخطيط والعمران وأتاح للمدينة الخروج من عزلتها داخل السور وسمح لها بالتوسع نحو أجزاءها الجنوبية بكل حرية ، وقد استطاعت هذه الخطة من إنشاء محلتين جديدتين أضيفت إلى محلات المدينة القديمة هما محلة العباسية الشرقية والعباسية الغربية والتي أسست على نمط من التخطيط العالي ذات الشوارع العريضة والمستقيمة قياساً بحملاتها القديمة ، وقد جاء التوسع العمراني الجديد استجابة لنمو المدينة والسكان معاً ، وقد أتاحت المسافات العمرانية الجديدة الكثير من المتطلبات الخدمية للسكان وتلبية حاجتهم في السكن والنقل والخدمات والتعليم وغيرها . اذ استطاعت خطة الوالي مدحت باشا بحق أن تنقل مورفولوجية مدينة كربلاء من مرحلتها العمرانية الأولى التي قامت حول القبر الشريف بطريقة عشوائية وبكثافة سكانية عالية والتي غابت عنها الكثير من المفاهيم التخطيطية الحديثة إلى مرحلة جديدة من التطور العمراني المخطط ذات الشوارع العريضة والمرافق الخدمية الجديدة التي بدورها استوعبت الكثافات السكانية العالية فضلاً عن كون هذه الإصلاحات الجديدة جعلت الباب فتوحاً أمام خطط عمرانية مستقبلية تلتها بشكل مباشر من جانب وحررت المدينة من قيد الأسوار الذي قيدت بها ردحاً من الزمن لضرورات أمنية ووقائية من جانب أخر، فقد تبع هذه الخطة الكثير من الإصلاحات التخطيطية في المدينة أهمها الأتساع الملحوظ في شبكة طرق النقل ووسائل الاتصال التي كان أبرزها مد خط سكة الحديد التي ربطت بغداد بالبصرة عام 1923م والذي كانت تمر بالجزء الجنوبي من مدينة كربلاء وفرت مجالاً واسعاً للحركة والتمدد العمراني لكونها أصبحت مركزاً لجذب السكن والخدمات بشكل مباشر مما ساعد على توسع حضري أكبر للمدينة ، كما لحقه أصلاح في عام 1935م تمثل في شق شارع الإمام علي (ع) الذي ربط محلات المدينة القديمة بالجديدة وكذلك شارع على الأكبر الذي ربط المرقدين ببعضهما والذي ساعد على فك الكثير من الاختناقات ومرور السابلة بشكل مباشر .  

        

ثانيا: مخطط مؤسسة دوكسيادس اليونانية

استعان العراق في تخطيط الكثير من مدنه وحواضره العمرانية بالعديد من الشركات المختصة بتخطيط المدن والمشهورة بوضع التصاميم الأساسية ، وتعد المؤسسة اليونانية دوكسيادس من أشهر الشركات العالمية في مجال التخطيط العمراني والحضري فجميع الأعمال التصميمية والتخطيطية التي أجرتها المؤسسة في العراق حملت في طياتها فلسفة العمارة الأمريكية التي حاول تطبيقها في الكثير من محافظات بغداد وأربيل. ففي عام 1956 عهد مجلس الأعمار العراقي إلى مؤسسة دوكسيادس وضع المخطط الأساس لمدينة كربلاء بعد أن تزايد عدد السكان والتوسع العمراني فيها ، فقد أجرت المؤسسة المسوحات الميدانية والدراسات التفصيلية الدقيقة لجميع قطاعات المدينة ومؤسساتها الحيوية وأخيراً وضعت المؤسسة تقريرها النهائي للوضع الحضري لمدينة كربلاء تتضمن دراسة متكاملة ومقترحـــات ومجموعـــة توصــــيات وقعـــــت الدراســــة تحت عنوان (مستقبل مدينة كربلاء) وهـــي عبــارة عــن دراسة ميدانية مفصلة عن طبيعة الواقع الجغرافي والاجتماعي والسكاني والخدمي لمدينة كربلاء مزودة بخرائط موقعيه ورسومات تخطيطية . ولقد أثبت مؤسسة دوكسيادس في وضع مخطط مدينة كربلاء على خط الزوايا القائمة والتي توفر أمكانية إضافة امتدادات عمرانية جديدة مستقبلاً فعلى صعيد مقترحات السكن التي تقدمت بها المؤسسة لمدينة كربلاء هو الامتداد الحضري باتجاه الجهة الجنوبية الشرقية للمدينة والمتمثل بظهور العديد من الأحياء السكنية الجديدة أهمها حي الحسين كونه المحور الأكثر سهولة في توسع المدينة أما على صعيد الزيادة السكانية فقد توقعت المؤسسة زيادة سكانية سريعة بسبب ارتفاع معدلات الهجرة السكانية ، أما على صعيد الخدمات فقد اقترحت الدراسة تحويل مركز المدينة التقليدي إلى مركزاً يضم الاستعمالات الدينية والثقافية دون غيرها ، كما أوصت بإلغاء جميع الملكيات الخاصة وتحويل سكانها إلى مناطق وأحياء سكنية جديدة .                                                                

ثالثا: المخططات الأساسية التي أعدتها وزارة التخطيط

   أعدت وزارة التخطيط العراقية والهيئات العامة التابعة لها العديد من المشاريع العمرانية والتصاميم الأساسية لأغلب المدن العراقية ومنها مدينة كربلاء خصوصاً في فترة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وقد استندت هذه التصاميم إلى نتائج الدراسات الميدانية والمسح الحقلي أجريت من قبل فرق بحثية متخصصة أهمها :

. مخطط وزارة الحكم المحلي

قدمت الهيئة العامة للتخطيط العمراني التابعة لوزارة الحكم المحلي آنذاك مخطط عمراني لمدينة كربلاء وقد تضمن هذا المخطط تعديلاً مهماً لبعض توصيات مؤسسة دوكسيادس وقد تضمن هذا المخطط هدفين أساسيين هما :

الأول/ تحديد اتجاه النمو العمراني للمدينة في محورين أساسيين الأول باتجاه الجنوب الشرقي للمدينة (طريق كربلاء – نجف) والثاني باتجاه الشمال الغربي (طريق بحيرة الرزازة)

الثاني / التوسع الجديد للمدينة عن طريق إنشاء أحياء جديدة وإحداث توسعاً في الطرق السريعة التي تربط الأحياء السكنية بمركز المدينة.

2.مخطط وزارة التخطيط

   أجرت دائرة التخطيط والهندسة في آب – 1978 دراسة تخطيطية موسعة عن التطور العمراني والسكاني لمدينة كربلاء وضعت تحت عنوان (مدينة كربلاء دراسة ميدانية تحليلية لواقع الحال) والتي أعتمد على نتائجها طيلة فترة الثمانينات في توجيه النمو العمراني للمدينة وأكدت هذه الدراسة عن توجيه المخطط العام للمدينة باتجاه المحورين السابقين (طريق النجف) و (طريق الرزازة) كونها أفضل محاور التوسع العمراني نمواً.                              

   وقد تم تنفيذ توصيات هذا المخطط الحكومي من قبل الجهات المسؤولة عن طريق توزيع القطع السكنية لذا ظهرت العديد من الأحياء الجديدة كحي الموظفين الأولى والثانية والمعملجي والحر والأسرة غيرها حتى بلغت أحياء مدينة كربلاء السكنية أكثر من 40 حياً أغلبها ضمن قطاع الجزيرة الذي أصبح المحور الجديد للسكن والتطور الحضري .                                                                              

     أما المركز الديني التقليدي لمدينة كربلاء فقد شهد هو الآخر بعض الإجراءات التخطيطية الرامية إلى فك الازدحام والاختناقات التي شهدتها المنطقة المركزية برمتها ومحلاتها السكنية القديمة فعلى صعيد المشاريع والدراسات التي عالجت المركز التقليدي نذكر بعضاً منها :                                                            

مشروع تطوير المرقدين الشريفين لسنة 1977

   وهو من المشاريع العمرانية العراقية الرائدة التي أجرتها وزارة التخطيط لمعالجة أزمات المنطقة المركزية لمدينة كربلاء والتي سعت إلى فتح طرق وشوارع رئيسية ومهمة في المدينة والتي وظيفتها ربط وتأمين الاتصال بين المرقدين كون المسارات الرابطة بينهما لا تفي بالغرض بسبب ضيق وتعرج مساراتها فضلاً عن انخفاض طاقتها الاستيعابية للمارة والزوار وقد أستطاع هذا المشروع شق العديد من الشوارع المهمة والتي لا زالت قائمة حتى الوقت الحاضر كشارع قبلة الإمام الحسين وشارع صاحب الزمان وغيرها من الشوارع الفرعية خلال هذه الفترة أنجز مشروعاً عمرانياً لمركز المدينة وتحديداً بعد آذار عام 1991 ، إذ نفذت دائرة التخطيط العمراني في وزارة الداخلية سمي مشروع تطوير منطقة ما بين الحرمين والذي يقوم على استحداث مساحة طولية بأبعاد (250 × 118م) في المنطقة المحصورة بين المرقدين الشريفين وقد تم تنفيذ هذا المشروع الذي أتاح سهولة حركة كبيرة للزائرين على الرغم من بعض التجاوزات الحضرية على تراث المدينة الإسلامي المتمثلة بإزالة بعض الأسواق التراثية التي تعود لفترات عمرانية طويلة وكذلك بعض المساجد والمدارس الدينية وصولاً إلى إنجاز هذا المشروع الذي لا تزال المدينة ومركزها الديني يعيش بكل خصائصه المكانية.                                                            

المراجع

         رياض الجميلي ، مدينة كربلاء (دراسة في النشأه والتطور العمراني) ، بيروت ،2012 .

         خالص لأشعب ، المدينة العربية ، ساعدت جامعة بغداد على نشره ،

    رشا مالك نصر الله ، اثرتغييرانظمة مسارات الحركة في استعمالات الأرض في المركز التقليدي لمدينة كربلاء ، رسالة ماجستير مقدمة الى مركز التخطيط الحضري والإقليمي في جامعة بغداد ، 2001 ،.

عبد الباقي إبراهيم ، التراث الحضاري في المدينة العربية المعاصرة ، بيروت ، 2003 .

– محمد حسن الكليدار ، مدينة الحسين ، ج4 ، 1960.

– مؤيد بهجت ، مدينة كربلاء ، رسالة ماجستير مقدمة الى جامعة عين شمس ،1980 ، ص62

– علي الوردي ، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، الطبعة الثانية ، ج1 ، دار الرشيد ، بيروت ، 2005 .                                                      

– عقيل نوري الملا حويش ، العمارة الحديثة في العراق ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1988.