أنتخاباتنا ….وعقدة الشراكة المضطربة د. سلام المسعودي-جامعة كربلاء

أنتخاباتنا ….وعقدة الشراكة المضطربة …

          د. سلام المسعودي-جامعة كربلاء

    منذ ايام عدة عاودت مفوضية الانتخابات لنشاطها من جديد ، وبدأ معها صوت الكتل السياسية يطفو على السطح ، هناك من يتحدث عن القانون الانتخابي ،وآخر يسهب في الحديث عن شكل الحكومة القادمة ، ورأيّ يبحث في طبيعة ألائتلافات السياسية ، وأعلام منفلت بلا رقابة يجعجع ويطبل لهذا الطرف أو ذاك ،وأطراف أخرى تطالب بالمشاركة الواسعة رغبة في التغيير … والنتيجة ماذا ستكون ؟، بأعتقادي وفي خضم هذا الإضطراب لايخطر في بالي إلا سؤالاً منطقياً ليس جديداً (دائم الطرح) هل ان الغاية من أجراء ألانتخابات لتشكيل حكومة وحسب ؟أم ان الغاية بناء الدولة بحكومة قوية ؟

   أن ألاجابة على هذا السؤال يكمن في فلسفة ألانتخاب التي تعد التجسيد العملي لأشراك الشعب في الحكم عبر ممثليهم في البرلمان بغض النظر عن نوع النظام ألانتخابي بغية أقامة نظام سياسي رصين يحافظ على بنية الدولة مهما تغير ألاشخاص الذين أعتلوا منصته ، وفي ضوء هذه الفلسفة من حقنا أن نتسائل أين منظومة الدولة المتكاملة التي يفترض ان تبنى في ظل ثقافة التداول السلمي للسلطة ؟

  أعتقد أن هناك خللاً واضحاً للقلة وغامضاً للأغلبية في النظام السياسي العراقي منذ عام 2003 بدءاً من تشكيل النظام الانتخابي وأنتهاءاً بتشكيل السلطتين التنفيذية والتشريعية ، ولعل تراخي النظام ألانتخابي ليس بوصفه نظاماً نسبياً فحسب ، أنما بالشروط الموضوعة للترشيح يجعل منه نظاماً خجولاً أكثر منه صارماً ، ألامر الذي الغى فكرة ” تصفية المرشحين” قبيل ألانتخابات ، وحصر مسألة الترشيح للمؤهلين منهم فقط ، وقطع الطريق أمام غير المؤهلين من الوصول ألى البرلمان مع ألاخذ بنظر الاعتبار أن ليس كل الناخبين يتمتعون بالوعي السياسي الكافي لأنتخاب المؤهل منهم للتمثيل البرلماني ،وهنا يحضرني قول الرئيس ألامريكي الاسبق جون كنيدي (1960-1963) حينما ذكر ” أن ناخباً جاهلاً واحداً بأمكانه الاساءة ألى الديمقراطية برمتها في الولايات المتحدة ” أذن لنتصور حجم المأساة مع عشرين مليون ناخب عراقي ثلثهم من الناس البسطاء الذين لايصوتون للبرامج الانتخابية للكتل السياسية ، وليس لديهم ألادراك الكافي لأختيار الشخص المؤهل للتمثيل البرلماني ، وهذه مشكلة يجب معالجتها وربما كانت السبب وراء عجز البرلمان عن أداء دوره الحقيقي بوصفه أعلى سلطة تشريعية ورقابية في البلاد فالبرلمانيون العاجزون لايدركون دورهم الحقيقي في الرقابة والتشريع .

    ثمة مسألة أخرى غاية في ألاهمية ذات مساس مباشر بالنتائج الانتخابية تتعلق بآلية تشكيل الحكومة التي باتت تشكل معضلة وراء كل عملية انتخابية بسبب النظام ألانتخابي المعمول به . والذي يفرض ارادته على الكتل الفائزة بطريقة تجعل حاجة بعضها للبعض آلاخر لامناص منها . أذ يلغي فرصة أنفراد كتلة ما بتشكيل ” حكومة ألاغلبية” ، وقد بعثر هذا ألاسلوب توزيع المقاعد بالشكل الذي جعل أمر التقارب بين الكتل حتمياً .أيما تقارب هذا ؟ انه تقارب الصفقات السياسية ، الذي ينتهي بتشكيل حكومة أئتلافية ضعيفة ، ولاسيما أذا ما علمنا أن تشكيل مثل هذه الحكومات في دول متقدمة آمنة ومستقرة ولها باع طويل في الشأن الديمقراطي يبقيها ضعيفة ، ويعرقل عملها ، نكتفي هنا بمثالين لدعم رأينا هذا ، فما حدث في ايطاليا مع حكومة ليوجي فاكتا في عشرينيا ت القرن الماضي ربما كان السبب وراء وصول ديكتاتورية موسليني الى الحكم في أيطاليا عام 1922،كما واجهت حكومة لويد جورج الائتلافية في بريطانيا (أقدم بلد ديمقراطي في العالم)  منغصات عدة في الثلاثينيات تركت آثارها السلبية في السياسة البريطانية قبيل أندلاع الحرب العالمية الثانية في أيلول عام 1939 ، كما أثبتت التجربة السابقة في العراق أن الشراكة في الحكم والتي يفترض بها أن تقوم على أساس التوافقات السياسية تحولت الى محاصصة سياسية ، وتم فرض الوزراء والمسؤولين على مؤسسات الدولة عنوة وبلاقيود لقيم العمل الصحيحة ،ماخلق حالة من الفوضى المزرية ، الامر الذي أفقد روحية ألانسجام الحكومي المطلوب لمثل هذه الحكومات .ولعل هذا من الاسباب المهمة وراء الشلل الذي أصاب مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة الامنية .

    وليس من المغالاة القول أن خبراء السياسة الغربيون يدركون هذه الحقيقية أكثر من غيرهم ،كما يعتقدون ان هم الساسة العراقيين هو المشاركة في السلطة أكثر من المشاركة في بناء الدولة ، في الوقت الذي تترسخ فيه القناعة لديهم بما لايقبل مجالاً للشك أن بناء الدولة بمفهومها العصري لايصح ألا من خلال حكومة الاغلبية مع معارضة برلمانية فعالة وبناءة . لذا يؤسفني القول أن النظام السياسي في العراق كان عليلاً طوال السنوات السابقة ، وسيبقى كذلك طالما أن الجميع يؤمن بحكومة المحاصصة ، وضحايا هذا الحال هم أنفسهم ضحايا التوتاليتارية المقيتة التي جثمت على صدورهم لثلاث عقود خلت .