سلسلة مقالات في التصميم التعليمي ج3 إعداد د . عدي الجراح

سلسلة مقالات في التصميم التعليمي

 

إعداد

د . عدي الجراح

التصميم التعليمي ومنحى النظم:

مقدمة:

يتضمن الموقف التعليمي من المنظور التقليدي: المعلم، المتعلمين، الكتب المدرسية فالمحتوى المطلوب تعلمه موجود في متن الكتاب المدرسي، وتنحسر مسؤولية المعلم في أن يعلم ذلك المحتوى إلى المتعلمين، ومن خلال هذا المنظور يمكن تفسير عملية التدريس على أنه نقل المعلومات من متن الكتاب المدرسي وحشوها في ذاكرة المتعلمين بطريقة تمكنهم من استعادتها عند اختبارهم فيها.

ووفقاً لهذا المنظور فتحسين العملية التعليمية تتمركز في تحسين المعلم وزيادة كفاءته وحثه على أن يكتب معرفة اكثر لنقلها إلى المتعلمين.

وعلى الرغم من سيادة المنظور التقليدي من معظم مؤسساتنا التربوية في الوقت الراهن، إلا أن هناك نظرة أكثر حداثة لعملية التعليم تتمثل في أنها عملية منظمة يكون فيها كل مكون من مكوناتها { المعلم، المتعلمين، مصادر التعلم، بيئة، سياق التعلم } ضرورياً وحيوياً لإحداث التعلم المنشود.. ويشار إلى وجهة النظر هذه بنظرة النظم Systematic view ، هذه النظرة تشكل لدى مؤيديها مرتكزاً اساسياً يقوم عليها التصميم التعليمي.

وفي هذا الشأن يؤكد ( ديك وكاري 1996 Dick & Kary ) على استخدام منحى النظم في التصميم التعليمي يهدف إلى إبراز الدور المهم لجميع مكونات العملية التعليمية كنظام، إذ يجب أن تتفاعل جميع المكونات لتحقيق الأهداف المرجوة.

وبناءاً على ذلك يتضح أهمية مراجعة العملية التعليمية بكل مكوناتها، وألا تقتصر على النظرة التقليدية الضيقة لعملية التعليم المتمثلة في قيام المعلم بنقل المعرفة إلى المتعلمين مع قيامهم بالانصات والحفظ والاستظهار.

إن هذه النظرة القاصرة لم تعد صالحة في ظل ما يشهده هذا العصر من انفجار معرفي وتكنولوجي والاقبال المتزايد من الطلاب على التعليم في مراحلة المختلفة، ولذلك ظهرت توجيهات معاصرة تنادي بضرورة أن يكون التعليم مخططاً ومصمماً وفق أسس علمية منطقية وسيكولوجية سليمة، ويقوم على احتياجات الطلاب ويتلاءم مع قدراتهم واستعداداتهم، ويؤكدهذا المعنى على أن التعليم: عملية مقصودة لترتيب الأحداث التعليمية. وتنظيمها وإدارتها بصورة منهجية نظامية لاحداث تعلم أفضل (تغير مرغوب في سلوك الطلاب)، كما يؤكد هذا المعنى على ضرورة أن يكون المعلم مصمماً للتعليم متقناً لمهارات التصميم التعليمي ولايقتصر دوره على نقل المعلومات وتلقينها بطريقة آلية صماء.

وفي هذا الشأن يشير (علي عبد المنعم،1998) إلى أن تصميم التعليم يتركز على التفاعل الوظيفي بين مكونات الموقف التعليمي والتأثير المتبادل لهذه المكونات على أساس أن كلية الموقف أكبر من مجموع الأجزاء المكونة لها، وهو يستبعد تماماً العفوية والإرتجالية: فالتصميم التعليمي له منهجيته المرتبطة بالنظرية العامة للنظم، وتستند هذه المنهجيه – تصميم التعليم – عند أي مستوى من المستويات على مجموعة من المفاهيم والأسس المستمدة من فلسفة النظم ومدخله، وتسمى عملية تصميم منظومات التعليم وفق مدخل النظم بعدة مسميات منها: التصميم المنظومي / المنهجي للتعلم أو تصميم النظم التعليمية وأحياناً يطلق عليها تطوير النظم التعليمية. (سرايا،2007، ص27-29)

نشأة مدخل النظم:

إن الفكرة الأساسية لمدخل النظم هي العمل بالكل ، وقد طرح هذه الفكرة قديماً الفلاسفة من أمثال: سقراط، وأفلاطون، ووايتد، وليبينز، وهيجل، كما طرحها المفكر العربي ابن خلدون عندما درس تاريخ النظم وأنشأ علم الاجتماع، كما دعا إليه (كومينوس) عندما نادى بنظام التكامل في التعليم كما هو في الطبيعة وذلك في كتابة التعلم الأكبر بيد أن البداية الحقيقية لنظرية مدخل النظم لم تظهر إلا عندما أشار إليه (كوهلر) في فيزيائيته الجشطالتية عام 1924م، ثم عرض (لوتكا،1925) في كلاسيكيته مفاهيم أساسية لنظرية النظم.

ثم ظهرت القواعد الأساسية للنظرية العامة للمنظومات في منتصف الثلاثينات على يد العالم البيولوجي لويودونج. برتلانفي Bertalnffy Ludwing V. ، حيث أكد على ضرورة اعتبار الكائن الحي متكاملاً أو منظومة كلية تتكون من منظومات فرعية.(سرايا،2007، ص29)

ونشأة منحى النظم في تصميم التعليم كانت في الأربعينات من القرن العشرين واستخدم في المجال العسكري والصناعي والإداري، حيث تطلبت مهمة تطوير الأسلحة المعقدة، والصناعات المختلفة، وتطوير النظم الإدارية التي برزت خلال تلك الفترة تبني هذا المنحى إنجاز تلك المهمة، فضلاً عن تبنيه في تصميم البرامج التدريبية على هذه الأسلحة والصناعات التي يتطلب إنجازها مهاماً تتسم بالتعقيد والمهارات العالية. (الحيلة،2008، ص49-50)

عوامل ساعدت على تبني منحى النظم في مجال تصميم التعليم:

  • تزايد الاهتمام بفكرة الفروق الفردية بين المتعلمين، وما تفرضه من تبني طرائق واستراتيجيات تدريسية تتناسب مع احتياجات كل متعلم وخصائصه العقلية.
  • ما قدمته أبحاث عالم النفس السلوكي سكنر فيما يتعلق بالتعلم الإنساني، وما تمخضت عنه تلك الأبحاث من ظهور تقنية التعليم المبرمج.
  • حدوث تقدم في مجال صناعة الأجهزة ، والمواد التعليمية السمعية والبصرية.
  • ظهور حركة الأهداف السلوكية في مجال التعليم. (الحيلة،2008، ص50)

الموقف التعليمي التعلمي كنظام:

النظام: كيان متكامل يتألف من مجموعة من العناصر المتداخلة والمترابطة تبادلياً، والمتكاملة وظيفياً، تعمل بانسجام وتناغم وفق نسق معين، من أجل تحقيق أهداف مشتركة محددة، وأي تغيير، أو تطوير، أو تعديل يطرأ على أي من مكونات النظام يؤدي إلى تغيير، وتعديل في عمل النظام. إن النظر إلى العملية التعليمية باعتبارها نظاماً يشكل أحد الاتجاهات الرئيسة في العملية التربوية، ويشتمل النظام على خمسة مكونات رئيسة هي:

  • بيئة النظام : تشير بيئة النظام إلى المحيط، أو الوسط المادي والنفسي الذي يعمل النظام في إطاره، ويسعى لخدمته، ويؤثر عمل النظام ، ونتاجاته في البيئة ويتأثر بها، وتتوقف على قوة هذا التأثير ومداه، حيوية النظام وفاعليته، وهذا يعني أن النظام الذي لا يتأثر ببيئته، ولا يؤثر فيها يُعدنظاماً مغلقاً أو ميتاً، وبيئة النظام التعليمي هي الصف، والصف، والمدرسة، والمجتمع.
  • المدخلات : إن المدخل الرئيس هو الفئة المستهدفة من العملية التعليمية إضافة إلى الأهداف المتوخاة، والمخرج أيضاً الفئة المستهدفة وقد تحققت لديها الأهداف.
  • عمليات النظام : هي حركة التفاعل المنظم الحاصل في النظام بين المدخلات المختلفة فيه، والموجهة نحو تحقيق هدف النظام وفق النسق المعني الذي تسير فيه عملياته. وعمليات النظام هي المسؤولة عن تفعيل المدخلات باتجاه تحقيق الأهداف، والوصول إلى النتاجات أو المخرجات المنشودة. والعمليات في النظام التعليمي التعلمي هي جميع الجهود التي يبذلها المعلم في التدريس، وضبط بيئة التعلم، والتفاعل مع الطلبة، وتنظيم جهودهم، وتوجيهها نحو تحقيق غايات النظام.
  • مخرجات النظام : هي النتاج النهائي المتحصل من جراء العمليات المختلفة التي تمثل الأهداف النهائية التي يسعى النظام إلى تحقيقها، والمخرجات في العملية التعليمية التعلمية هي حدوث التعلم لدى المتعلم ، ونمو شخصيته، واكتسابه المفاهيم، والاتجاهات، والقيم المرغوبة فيها.
  • التغذية الراجعة : تشير إلى المعلومات العائدة إلى النظام من عناصره المختلفة، إلى تلك الصادرة من بيئة النظام إلى عناصر النظام، والتي تساعد على ضبط وتوجيه عملياته، وتحسينها، ودفعها نحو الأهداف المنشودة في ضوء نتائج التقويم ومخرجاته.(الحيلة،2008، ص49)

خطوات منحى النظم :

حدد (سلامة، 2001) بتحديد الخطوات الآتية لمنحى النظم وهي:

  • حدد الأهداف العامة للدرس.
  • حلل المهمات التعليمية الجزئية.
  • حدد خصائص المتعلمين.
  • طور اختبار تقويمي مرجعي (محكي المرجع).
  • طور طريقة للتعليم.
  • اختار المواد التعليمية المناسبة.
  • صمم تقويماً تكوينياً ثم طبقه.
  • اجرِ التقويم الختامي.(سلامة،2001، ص125)

نظرية ريجيليوث التوسعية :

تنظم نظرية ريجيليوث التوسعية على المستوى الموسع، بعكس نظرية المكونات التعليمية لـ(ميرل)، وهي تشير إلى تنظيم مجموعة من المفاهيم أو المبادئ أو الاجراءات، أو الحقائق التي تمثل وحدة دراسية أو منهجاً دراسياً يتم تدريسه في سنة أو فصل دراسي أو شهر.

وقد اعتمدت هذه النظرية على أساس مفاهيم ومبادئ المدرسة الجشطالتية، التي تقرر أن التعليم يتم عن طريق الكل وليس عن طريق الجزء.

وقد درس العالمان (حونسون وفاو) هذه النظرية واستنتجا الأسس الأربعة الآتية:

1- التعلم الهرمي:

وفق نموذج جانييه، وبرمجر و ويجر.

إن التعلم الهرمي وفق هذا النموذج يشير إلى التدرج بدءاً بالتعلم الإشاري، وانتهاء بتعلم المشكلات. وقد افترض جانييه أن اكتساب المعرفة والخبرات يمكن أن تتم عن طريق المقدرات (Capabilities) كما اشترط وجود تعلم سابق أساساً لتعلم أي خبرة جديدة، ثم يستمر التعلم بالنمو إلى أن يصل قمة الهرم.

وقد اعتمدت هذه الاستراتيجية على مفهوم بنية التعلم التي تتضمن البنى المفاهيمية، وما تشير إليه من حقائق وأفكار، ينبغي تعلمها، مثل أي تعلم جديد.

2- النموذج الحلزوني :

يؤكد فيه برونر أهمية روابط بين المفهوم الجديد والمفاهيم السابقة؛ لأن هذا النموذج يعمل على تقديم الخبرات والمعارف بشكل متدرج للتوصل إلى معرفة متكاملة، بطريقة حلزونية، يستوعبها المتعلم ويضمها إلى بنيته المعرفية بعد أن يهضمها ويتمثلها.

3- نموذج التضمين المعرفي :

وهو نموذج (أوزبل)، وقد أكد فيه أن المحتوى يجب أن يبدأ بمستوى عام يتضمن المعرفة اللاحقة التي يجب اتباعها بخطوات تدريسية تعرض فيها عمليات تساعد المتعلم على إحداث عمليات تمايز متعاقبة، والتدرج في تقديم معلومات أكثر تفصيلاً من المعلومات المحددة التي تدور حول أفكار تعرض بصورة عامة.

وقد أكد أوزبل أن الخبرات الجديدة التي يتم اكتسابها تكون أجدى إذا كانت ذات معنى وذات علاقة ارتباط بالأجزاء الأخرى المتضمنة، والتي تم تنظيمها في ذاكرة المتعلم بشكل هرمي.

وقد أكد أوزبل على أهمية (المتضمنات) ويعني بها المعلومات الفرعية التي تنبثق عن الفكرة العامة الرئيسة، وأنه كلما كان هناك ارتباط وعلاقة ذات معنى بينهما كان التعليم أكثر فعالية، أي أن المعلومات الجديدة التي نقصد توصيلها للتلاميذ يجب أن تكون مرتبطة معنوياً مع البنية المعرفية للتلاميذ.

4- نظرية المخطط المعرفي :

وتشتمل هذه النظرية على فكرة استيعاب المعرفة وتمثيلها، وهي تشير إلى تشكيل مخطط للبناء المعرفي، يعبر عن فهمنا للأشياء والأحداث، كمجموعة من العلاقات بين المفاهيم، تؤدي إلى فهم التعلم وتوجيهه والاستدلال عليه.

ويكون المخطط الموجود لدى المتعلم على مستوى معين، وربما يختلف عن المخطط عند غيرهن ولكن على كل حال يكون مرتبطاً بمعلومات أكثر تفصيلاً من معلومات المستوى السايق، سواء أ كانت جديدة أم قديمة.

وتمثل نظرية المخطط المعرفي تشكيل بناء معرفي مترابط بمجموعة من العلاقات والتشابه اللغوي، ويصف المخطط المعرفي الذي يمتلكه التلميذ المحتوى المعرفي الذي يمكن أن يتعلمه، أو يكون قادراً على اكتسابه.(الحموز،2004، ص133-135)

نطرية المكونات التعليمية لـ(ميرل) :

يُعد نموذج ميرل في تصميم التدريس نموذجاً إجرائياً، يقوم على عرض مجموعة من القضايا عرضاً متسلسلاً، وينظم محتوى المادة الدراسية من خلاله على شكل جزئيات صغيرة تضم كل جزئية عدداً محدداً من المفاهيم والمبادئ والاجرائات التعليمية، ويتم تعلم كل منها على حدة، في فصل واحد مدته (45) دقيقة.

وتشمل هذه النظرية الاهتمامات الآتية:

  • تصنيف نتائج التعلم ( المحتوى والأداء ) على نوعين هما:

أ- نوع المحتوى التعليمي، ويقصد به ( الحقائق والمفاهيم والإجراءات والمبادئ).

ب- مستوى الأداء المتوقع من المعلم بعد التعلم.

2) أشكال العرض ( الشرح والتساؤل )، ويشتمل على:

أ- أنماط العرض ( الشرح والتتساؤل ).

ب- عرض العناصر ( العموميات والأمثلة ).

وتعد هذه العملية من أهم مجالات نظرية العناصر التعليمية القائمة على أساس تحليل نوع المحتوى ونتائج التعلم المرغوبة (مستوى الأداء) أو نوع العرض الذي تم تحديده، واختياره ليكون الأسلوب المناسب لشرح المادة وتوضيحها.

3) وصف المنهجية المعتمدة على التماسك والإنسجام بين شكل العرض ومستوى الأداء.

ويتم التحكم بوصف المنهجية من خلال ثلاث مجموعات من القواعد التي تحدد تصميم كل مكون تعليمي، وتضمن هذه القواعد ما يأتي:

أ- تحديد المكونات، وهذه المكونات هي المفاهيم والمبادئ.

ب- قواعد الانسجام: أي تحديد أفضل أشكال العرض الضرورية لنتائج التعلم المعطاة.

ج- قواعد الكفاءة: أي كفاءة الاستراتيجيات، وقدرتها على توصيل المعلومات، كتقنيات عرض النصوص والتغذية الراجعة.(الحموز،2004، ص131-132)

وقد استنتج (قطامي،2001) أن نظرية ميرل هذه تتكون من ستة نماذج تدريسية، تعتمد على نوع الهدف المراد تحقيقه بطريقة فاعلة؛ لأن كل هدف تعليمي يرتبط بعملية معرفية مختلفة عن الأخرى وهذه النماذج هي:

  • تذكر الحقائق والمعلومات بشكل جزئي.
  • تذكر الحقائق والمعلومات بشكل غير جزئي.
  • تذكر المعلومات المهمة كالتعريفات المختلفة بشكل حرفي.
  • تذكر المعلومات العامة كالتعريفات المختلفة بشكل غير حرفي.
  • تطبيق المعلومات العامة في مواقف جديدة.
  • اكتشاف المعلومات العامة في المواقف الجديدة.(قطامي وآخرون،2001، ص175)

 

المصادر:

  1. الحموز، محمد عواد: تصميم التدريس، ط1، دار وائل للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن،2004.
  2. الحيلة، محمد محمود: تصميم التعليم نظرية وممارسة، ط4، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمّان، الأردن،2008.
  3. سرايا، عادل: التصميم التعليمي والتعلم ذو المعنى رؤية إبستمولوجية تطبيقية في ضوء نظرية تجهيز المعلومات بالذاكرة البشرية، ط2، دار وائل للنشر والتوزيع ، عمّان، الأردن،2007.
  4. سلامة، عبد الحافظ: اساسيات في تصميم التدريس، ط1، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن،2001.
  5. قطامي وآخرون: أساسيات تصميم التدريس، ط1، دار الفكر للطباعة والنشر، عمّان، الأردن،2001.