مشاعر التماسك : تطبيقاتها في الصحة والشخصية والقياس النفسي أ.د : رالف بيدمونت

ظهر بعد خمسينات القرن العشرين توجها جديدا في علم النفس يهتم بصحة الافراد الجسمية ، إذ ظهرت حركة جديدة لعلماء النفس تتوجه نحو دراسة تأثير المتغيرات النفسية في الحالة الصحية ، واكتشاف العوامل التي تطور صحة الانسان وتحافظ عليها، والتركيز بصورة بعيدة عن النتائج السلبية للاصابة بالاضطرابات والامراض النفسية والجسمية (Seligman & Csikszentmihalyi,2000) وتُعد نظرية المنشأ الصحي salutogenic theory التي افترضها عالم النفس انتونوفسكي Antonovsky عام 1979 احد اهم الاكتشافات المهمة في علم النفس الصحي ، التي تنظر الى الصحة بوصفها حركة مستمرة بين التمتع بالصحة التامة Total health والاعتلال الصحي التام Total ill-health .
وافترض انتونوفسكي في نظريته مفهوم مشاعر التماسك sense of coherence (SOC) الذي يصف لنا قدرة الفرد على استيعاب ضغوطات الحياة ومن ثم مواجهتها بصورة فاعلة من خلال الموارد النفسية ، والذي يؤدي الى التوافق والحفاظ على الصحة . وطور انتونوفسكي عام 1987 مقياسان لمشاعر التماسك ، يتكون المقياس الاول من 29 فقرة في صيغته الاصلية ، ويتكون المقياس الثاني من 13 فقرة في صورة مختصرة ، وقد استعمل كلا المقياسان بصورة واسعة في ادبيات ودراسات علم النفس .
وبهذا الصدد وجدت هذه الادبيات ان لمشاعر التماسك فائدة عظيمة على صحة الانسان ، إذ وجدت دراسة (Sharabi, Levi & Markolat, 2012) ان مشاعر التماسك ترتبط ايجابيا مع الامل ، ووجدت دراسة Delgado, 2007 ان الافراد الذين يتمتعون بمشاعر تماسك صرحوا بانهم يتمتعون بدرجة عالية من جودة الحياة ، فضلا عن ذلك وجد كل من (Bowman, 1996; Flannery, 1994; Matsuura et,al,2003 ان الذين يتسمون بمشاعر التماسك لديهم مستوى منخفض من الاكتئاب والقلق .
لقد اكد انتونوفسكي ان مشاعر التماسك ليست احدى اساليب مواجهة الضغوط بل هي توجه نحو الحياة ، التي تتضمن فهم احداث الحياة وضغوطاتها والذي يطلق عليه بـ (الوضوح comprehensibility) ، والتوافق مع الضغوط من خلال مصادر وقوى الفرد النفسية والاجتماعية (القدرة على التدبير –الادارة- manageable) ، والاعتقاد بان الحياة ذات فائدة قيمة وفيها العديد من الثروات التي يمكن الاستفادة منها (المعنى meaningfulness) .
لذلك جذب المفهوم النظري لمشاعر التماسك العديد من علماء النفس والاجتماع والمختصين في المجال الصحي ، لان هذا المفهوم يفترض ان الصحة تنجم عن اطار الشخصية framework of personality والمزاج temperament الضروريان لتوجه الافراد نحو الحياة ، فضلا عن العوامل الموقفية كالادراك الشخصي للضغوط البيئة وادراك الفرد للدعم الاجتماعي الذي يسانده في المواقف الضاغطة ، لذا ليس هناك شك ان مشاعر التماسك هي عنصر مهم للتوافق الناجح ، وبما ان التوافق الناجح عملية معقدة فان مشاعر التماسك تتفاعل مع العديد من الجوانب المختلفة للشخصية مثل العوامل الخمسة الكبرى في الشخصية the Five-Factor of Personality والسمو الروحي Spiritual Transcendence والقدرات المعرفية والدافعية للاستفادة منها .
– مقياس مشاعر التماسك :
ان افضل مقياس لمشاعر التماسك الذي طوره انتونوفسكي عام 1987 ، ويهدف هذا المقياس لتقييم التوجه الحياتي الشامل للفرد لمواجهة الضغوط والتكيف معها ، ويتضمن هذا المقياس ثلاثة ابعاد (الوضوح comprehensible ، والقدرة على التدبير manageable ، والمعنى meaningful) . ويُعد هذا المقياس صورة مختصرة للمقياس الاصلي الذي ابتكره انتونوفسكي سابقا ، ويجاب عليه وفق سبعة نقاط حسب طريقة ليكرت Likert في الاجابة ، ويبلغ معدل ثبات هذا المقياس وفق طريقة الفا للثبات بمدى يتراوح بين 0,70 الى 0,92 في حين يبلغ معدل الثبات بطريقة اعادة الاختبار بمدى يتراوح بين 0,69 الى 0,72 (Eriksson & Lindström, 2005) .

مشاعر التماسك : تطبيقاتها في الصحة والشخصية والقياس النفسي أ.د : رالف بيدمونت مصدر المقالة

لمزيد من المعلومات حول الموضوع يرجى مراجعة الرابط التالي :

مشاعر التماسك : تطبيقاتها في الصحة والشخصية والقياس النفسي أ.د : رالف بيدمونت