الحضارة اليمنية القديمة قبل الاسلام ….

الحضارة اليمنية القديمة قبل الإسلام

   تطور الإنسان اليمني في إطار الخطوط العامة للتطور التاريخي للإنسانية عبر عصورها المختلفة وفي ظل الخصوصيات اليمنية ومعطيات الواقع المتمثلة في الموقع الجغرافي الهام لليمن والظروف الطبيعية والمناخية المتنوعة والسيطرة على طرق تجارة العالم القديم مما ابرز اليمن كأحد مراكز الحضارات الإنسانية القديمة. وقد بلغت الحضارات اليمنية القديمة درجة كبيرة من الرقي والازدهار جعل اليونان والرومان يطلقون على موطن تلك الحضارات (العربية السعيدة).


ويبرز التاريخ نشأة كيان سياسي كبير وحضارة راقية منذ القرن العاشر قبل الميلاد متمثلاً في دولة سبأ وحضارتها وما تلك الدول التي تذكر معها سوى تكوينات سياسية كانت تدور في الغالب في فلكها، ترتبط بها حيناً وتنفصل عنها حيناً آخر، أمثال دولة معين وقتبان وحضرموت وأوسان وتمثل حمير آخر تلك الدول والتي اندمجت آخر الأمر في سبأ لتكون دولة واحدة حمل ملوكها لقب ملوك سبأ وذي ريدان.


وقد ذاعت شهرة سبأ في الآفاق وورد ذكرها في الكتب السماوية ففي التوراة وردت قصة زيارة ملكة سبأ للنبي سليمان عليه السلام في حوالي القرن العاشر (ق.م) وهي تحمل هداياها من الطيب واللبان والتوابل والذي عكس التطور الاقتصادي والثراء المادي الذي وصلت أليه مملكة سبأ في ذلك العصر، وقد أكد القرآن الكريم في سورة النمل تلك الحضارة وذلك الثراء على لسان طائر الهدهد: (وجئتك من سبأ بنبأ يقين* إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم)، كما تدلنا أقدم النقوش السبئية على أن التقدم الحضاري بلغ في تلك الفترة شأناً عظيماً إذ استقرت عاصمة الدولة السبئية في مأرب وبني السد الكبير (سد مأرب) للتحكم في ري وادي أذنه، كما كشفت الحفريات في منطقة تمنع عاصمة قتبان عن شبكة كاملة من السدود تتصل بها قنوات وصهاريج لتوفير مياه الري لرقعة واسعة من البلاد، وهو ما يؤكد تطور العلوم والفنون المعمارية، ويستدل من نقش صرواح الكبير أن المكرب السبئي (كرب أل وتر بن ذمار علي) تمكن في القرن الرابع (ق.م) من إقامة دولة مركزية انطوى تحت لوائها كل اليمن تقريباً.

وقرب نهاية القرن الأول (ق.م) انطوت مملكة معين في مملكة سبأ ومن بعدها مملكة قتبان (400-50ق.م) وأخيراً حضرموت التي استمرت من 450(ق.م) وحتى القرن الثاني الميلادي. ولم يأت القرن الثالث الميلادي إلا وقد وحد الحميريون السبئيون جنوب الجزيرة العربية في دولة قوية هي اكبر وحدة سياسية انشأوها وقد اندفعوا بعد ذلك شمالاً وشرقاً، حسب ما يذكره النقش الذي عثر عليه في عبدان المدون بأخبار حملتهم العسكرية في منتصف القرن الرابع الميلادي، وبلغوا مناطق اليمامة والبحرين وشرق الجزيرة العربية ومناطق الازد في عمان وقبائل معد ونزار وغسان.


وقد تولى الحكم في مطلع القرن الخامس الميلادي أبو كرب بن اسعد بن الملك كرب يوهامن الذي اشتهر بـ(أسعد الكامل) لسعة نفوذ دولة حمير في عهده حيث اصبح ملكاً لسبأ وذي ريدان وحضرموت ويمان وعربهم طودا وتهامة غير أن هذه المملكة لم تلبث أن تعرضت لمتاعب جمة أبرزها ركود النشاط التجاري نتيجة اكتشاف الرومان طرق التجارة البحرية التي نافست طرق القوافل البرية كما ظهر الصراع السياسي والديني بين القوى العظمى في ذلك العصر (الرومان والفرس) وأدى الصراع الديني إلى الفرقة الداخلية بين اتباع الديانتين اليهودية والمسيحية وأخيراً، ترتب على انهيار سد مأرب عام (575م) خراب أراضي الري اليانعة وسدد ضربة لازدهار البلاد.


النظام السياسي في اليمن قبل الإسلام
اتخذ التنظيم السياسي للدول اليمنية القديمة شكل ملكيات متحدة وقوية على رأس الدولة ملك تطورات سلطته من سلطة دينية إلى أخرى دنيوية ففي مملكة سبأ وتحت حكم المكاربة كانت القبائل جماعات تظلها حماية آلهتها الخاصة، وكان مجلس من الشعب يساعد الحاكم في وظائفه التشريعية ولذلك تم التعبير عن ذلك من خلال المقه (الإله الرسمي) وكرب آل (الحاكم) وسبأ (الاتحاد القبلي) وفي ظل المجلس قائماً أول الأمر في عصر الملوك في حين قام موظفون قضائيون يتوارثون وظيفتهم ويتخذون لقب (كبير) بتنفيذ القانون في كل قبيلة، غير أن اتساع فتوحات سبأ في القرن الأول الميلادي أدى إلى ازدياد نفوذ هؤلاء الكبراء حتى اصبحت طبقة لها امتيازات خاصة وممتلكات واسعة واختفى مجلس الشعب وتضاءلت سلطة الملك نسبياً ونشأ شكل من أشكال النظام الإقطاعي.


أما في دولة معين وقتبان فقد كان للكهان نشاط ابرز وأظهر عما هو في سبأ، واشتهرت الدولة بقيام شخصين أو أكثر بأمور الحكم، كأن يشرك الملك معه ابنه الذي سيخلفه وفي مرحلة متأخرة بعض أبنائه وقد آخذت بهذا النظام دولة سبأ عند ضمها لقتبان وهو ما أدى إلى تعميم هذا النظام في كل ممالك اليمن وقام الملوك بتوسيع نفوذهم وإضفاء ألقاب جديدة على أنفسهم وخاصة في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد. وأصبح ملوك سبأ يضيفون إلى لقبهم ملك ريدان وأقاموا عاصمة جديدة للدولة هي مدينة ظفار مع ظهور قبيلة حمير واحتلالها موقع الصدارة وانتشار اسمها في العالم القديم وخاصة في المصادر اليونانية والرومانية إلى جانب اسم السبئيين أو مكانه.


أما منذ عام 525م فقد عاش اليمن فترة صراع مع الأحباش لمدة تصل الى خمسين عاماً تبعها فترة السيطرة الفارسية على اليمن والتي أدت الى حالة من الانقسام السياسي والقبلي والديني. وقد أراد كسرى فارس الانتصار على الروم من خلال هزيمة القوات الحبشية المتركزة في اليمن. وكان قوام الحملة الفارسية التي جاءت مع سيف بن ذي يزن حوالي سبعة آلاف وخمسمائة رجل من رجال الجيش الأقوياء ضم إليهم ثمانمائة من عتاة المساجين.


وقد تحقق للحملة الفارسية الانتصار على القوات الحبشية بفضل التفاف بعض القبائل اليمنية حولهم خاصة قبيلة همدان. وبعد انتصارهم استقروا في اليمن كحامية فارسية بموجب الوثيقة الموقعة بينهم وبين الملك الحميري سيف بن ذي يزن وقد تزاوجوا في اليمن وكونوا طبقة جديدة عرفت بالأبناء. كما تحالفوا مع بعض القبائل في حروبهم الداخلية، وبالتالي شكلوا فئة قوية المراس تتغلغل في المجتمع وتدين بالولاء لحكومة فارس.