طبيعة الحياة الدينية عند السومريين

الحياة الدينية عند السومريين:
وتميزت ديانة بلاد ما بين النهرين بأنها كانت متعددة الآلهة أي إنهم كانوا مشركين، كما اتصفت هذه الآلهة بصفات تشبه البشر في النواحي المادية والمعنوية (التشبيه)، وقد تفوقت على البشر بالخلود والقدرة المطلقة، وتعددت المعابد التي كانت تقيم فيها الآلهة، وهو مظهر من مظاهر التشبيه بالبشر، وأصبح في كل مدينة أكثر من معبد لعدد من الآلهة، وقد بدأ العراقيون القدماء عبادة الظواهر الطبيعية التي كان لها تأثير في حياتهم كـ(الشمس والقمر والماء والهواء والزوابع والخصب)، وخصصوا لكل مظهر من هذه المظاهر إله خاص، كما خصصوا آلهة لشؤون حياتهم اليومية كـ(الطب والحكمة والمعرف)، وقد تطورت العقيدة الدينية عند سكان ما بين النهرين حيث جعلوا لكل إله مدينة زوجة خصوها مثله بالعبادة، ويقام احتفال (الزواج المقدس)، اعتقاداً منهم بان ذلك الزواج الإلهي سيحقق زيادة في العطاء والخيرات وفي مظاهر الطبيعة، وهناك آلهة رئيسة عبدت في جميع المدن، وآلهة خاصة بكل مدينة تكون حامية لها، ومن الآلهة الرئيسة العليا الإله (آنو) إله السماء وكان يرمز له بالقرون، والآلهة (كي) آلهة الأرض، وكانت السماء في نظرهم ذكراً والأرض أنثى، لهذا كانوا يصورون الإله (آنو) والآلهة (كي) متلاصقين معا، وابنهما الإله (انليل) إله الهواء والعواصف واسمه يعني (سيد النسيم الذي يفصل السماء عن الأرض)، وفي عهد الملك حمورابي احتل الإله (مردوخ) مكانه، وإله الماء والحكمة (انكي) و(أيا)، وآلهة الكتابة والقلم (ندابا)، ومن الآلهة الخاصة بالمدن الإلهة (اينانا) آلهة الحب والخصب والتكاثر عند أهل الوركاء، واسمها فيما بعد (عشتار) عند البابليين، والآلهة (ننكرسو) أو(ايننو) كان الإله الحامي لمدينة (لكش)، حيث كان إله كل مدينة حارسها وحاميها وحاكمها وهو ينيب عنه في الحكم حاكم المدينة أو ملكها، وكان للمعابد الكثير من الأملاك والكثير من الخدم الذين كانوا يعملون في أراضي المعبد الشاسعة التي تصل إلى ربع أو نصف أراضي مدينة الدولة.

(كيش):
من أوائل المدن السومرية، وبقايا (كيش) حاليا في تل الأحيمر بالقرب من بابل، وتذكر جداول الملوك أن الملوكية نزلت مرة ثانية بعد الطوفان في مدينة (كيش)، وكان لملوك مدينة (كيش) دور بارز في عصر فجر السلالات، إذ يرجح نجاحهم في توحيد البلاد خلال القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد، وتشير بعض أسماء ملوك (كيش) مثل (كلبم ـ كلب، قلومم ـ حمل ، زقاقيم ـ عقرب) إلى أصول جزرية لهؤلاء الملوك، الأمر الذي يعني استقرار القبائل الجزرية في بلاد ما بين النهرين في أزمان قديمة سبقت السلالة الأكدية، وتمتعت مدينة (كيش) بشهرة واسعة في بلاد سومر مما دفع بعض ملوك سومر إلى التسمي باسم ملك كيش على الرغم من كونهم ليسوا من ملوك هذه السلالة، ويشير أحد النصوص السومرية إلى أن الملك (ايتانا) وهو الملك الثالث عشر في سلالة (كيش)، صعد إلى السماء ووحد جميع البلاد، وهناك أسطورة بابلية تذكر كيف أن هذا الملك صعد إلى السماء على ظهر نسر من أجل أن يحصل على نبات النسل لأنه كان عقيماً.

(الوركاء) (أوروك):
وهي من السلالات السومرية الشهيرة، تقع في محافظة ذي قار وتبعد عن مدينة أور 36كم، اخترعت بها الكتابة بالخط المسماري، كانت موئلاً لعبادة الإله (أنو)، وأبرز ملوكها هو الملك الخامس (كلكامش) الذي حكم في حدود (2700ق.م)، وقد خلدت مآثره البطولية في عدة قصص سومرية وفي ملحمة بابلية تعد الأشهر بين ملاحم التأريخ القديم، عرفت باسم (ملحمة كلكامش)، وتحتوي هذه الملحمة على المآثر البطولية للملك (كلكامش) وصديقه (أنكيدو)، وفشل (كلكامش) في الحصول على الخلود بعد موت صديقه (أنكيدو)، ويتوصل إلى أن الخلود يمكن أن يحقق بترك أعمال ومآثر يمكن أن تخلد، وفقدت (الوركاء) أهميتها بعد ظهور دولة أور.
(أور):
إحدى دويلات المدن السومرية المهمة، تقع قرب الوركاء في محافظة ذي قار، وعلى بعد 160كم شمالي البصرة، أسسها الملك (ميسانيبدا)، الذي ربما يكون معاصراً لـ(كلكامش)، ويرجح أن يكون حكمه قد امتد ليشمل منطقه واسعة، فقد وصلنا ختم اسطواني يحمل اسمه يتبعه لقب ملك (كيش)، وهذا يدل على دخول مدينة (كيش) إلى نفوذه، فضلاً عن أن الكتابات التي وصلتنا من هذه الحقبة تشير إلى حدوث نزاع مسلح بين (أور) و(كيش) أيام ملكها (اكا)، ويبدو أن (أور) تمكنت في النهاية من التغلب على (كيش) وإخضاعها إلى نفوذها، وعثر في (أور) على 16 مقبرة ملكية شيدت من اللبن، تحتوي على نحو (2500 قبر)، وكان بكل مقبرة بئر وكان الملك الميت يدفن معه جواريه بملابسهن وحليهن بعد قتلهن بالسم عند موته، وكان للمقبرة قبة، مما يدل على أن أصل القبة يعود إلى حضارة بلاد ما بين النهرين، وقد أمدتنا المقبرة الملكية في (أور) بمجموعات فريدة من الآثار الذهبية والنفيسة، ومن بين أهم القبور التي عثر عليها قبر الملكة (شبعاد)، وعثر عليها مع حليها ومصوغاتها.

(لكش):
ظهرت هذه الدويلة في منطقة الغراف بين العمارة والناصرية، ولم يرد ذكرها في جداول الملوك السومرية، لعدم اعتراف كهنة معبد الآلهة (انليل) بها والذي يعد شرطاً لإضفاء الشرعية على حكم أي سلالة سومرية، وقد عثر فيها على الكثير من الوثائق المدونة وعلى آثار فنية ومعابد وقصور، ومن مدن هذه الدولة مدينة (لكش) العاصمة التي سميت الدولة باسمها، وأطلق على هذه المدينة اسم (اورو كوك) أي (المدينة المقدسة)، وهي تقع على بعد 45كم شرقي الشطرة، ومدينة (كرسو)، وهي (تلو) التي تبعد 16كم شرقي الشطرة، وإلهها الرئيس اسمه (ننكرسو) أي (سيد أو إله كرسو)، ومدينة (نسنا) التي تبعد 48كم جنوب شرقي (تلو)، ويعد الملك (اياناتم) من أشهر ملوك (لكش) توسع بنفوذه إلى مناطق واسع في الجنوب والشمال، وربما يكون نفوذه قد وصل إلى بلاد (آشور) وبلاد (عيلام) وإلى أعالي الفرات، وسيطر على مدينة (ماري) (تل الحريري حالياً على الحدود السورية العراقية)، وفي عهد (انتمينا) دخلت هذه الدولة في نزاع مع مدينة (اوما)، وترك (انتمينا) لنا أخبار هذا الصراع في نص تأريخي يعد أقدم نص تأريخي بالمفهوم المتعارف عليه، فقد دون فيه فضلاً عن الأحداث المعاصرة لحكمه، أخبار سبقت زمنه بأربعة أجيال أي (100 عام)، كما تضمن هذا النص نظام التحكيم وأولى المعاهدات والاتفاقات الدولية، ويبدو أن هذا الحاكم كان آخر ملوك (لكش) الأقوياء إذ خلفه ملوك ضعفاء، وتمكن آخر الحكام (اوروانمكينا=اوروكاجينا) الوصول إلى الحكم عن طريق الانقلاب العسكري، ويرجح أنه كان من الكهنة، وقام بإصلاحات كبيرة جداً لإنصاف الناس لاسيما الفقراء منهم، وجرد الكهنة والحكام من الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها على حساب الناس، وأصدر (وثيقة إصلاحية) وردت فيها كلمة الحرية لأول مرة في التأريخ، وقاد (لوكال زاكيزي) حاكم مدينة (اوما) حملة عسكرية قضى بها على (لكش) وحاكمها (اوروانمكينا=اوروكاجينا) الذي دام حكمه 8 سنوات.

(اوما):
تبعد مدينة (اوما) نحو 80كم إلى الشمال من (كرسو)، وهي من الدويلات التي لم ترد سلالاتها في جداول الملوك السومرية، وإلهها الخاص هو (شارا)، ويعد (لوكال زاكيزي) الذي حكم نحو 25 سنة أشهر ملوك (اوما)، وعائلته من طبقة الكهان، إذ كان أبوه كاهن الإله (ندابا)، وقد تمكن هذا الملك من ضم مدينة (لكش) ومدينة (أور) ومدينة (الوركاء) ومدينة (كيش)، أي أنه توسع في الجنوب والشمال وبضمنها منطقة (أكد)، ونتيجة لهذا التوسع الذي وحد به البلاد غير لقبه السياسي من (انسي=حاكم) إلى (لوكال كالما=ملك البلاد)، وبذلك يكون (لوكا زاكيزي) أول ملك أنشأ المملكة الموحدة الكبرى، وتشير النصوص إلى أنه ملك البلاد من (البحر الأسفل إلى البحر الأعلى) مما يدل على أنه أول من أسس إمبراطورية امتدت من الخليج العربي إلى البحر المتوسط، وكانت نهاية هذا الملك وإمبراطوريته على يد الملك (سرجون الأكدي)، ليبدأ عصر جديدة في تأريخ وحضارة بلاد ما بين النهرين عرف باسم (العصر الأكدي).