الدولة البويهية 334 – 447 هـ

الدولة البويهية

334 – 447 هـ

الدولة البويهية –  334  ـ  447
سياسة البويهيون تجاه الخلفاء العباسيين
الفتنة الطائفية في عهد بني بويهية
نهاية البويهيون

 

 

المقدمة :-

يعتبر موضوع دول الشيعية و دارسته التأريخية من من الامور المهمة بالنسبة للسياسي و المختص بدراسه التاريخ و العقاد الاسلامية ، لما فيه من دروس و عبر يستفاد منه الباحثون و القراء بحد سواء ، ذلك ان هذا الموضوع قد ظهر على الساحة السياسية  في العالمين العربي و الاسلامي ، لما تعانيه الامة من حال الانشقاق و تجزئة و تفرق سياسي ، و تمزق طائفي يكشر بأنيابه لأفتراس هذه الامة ، و لما كان العراق منبع هذا الانشقاق ، و تتكالب عليه الدول لتحقيق اهداف و مصالح دنيوية بشعارات دينية مذهبية طائفية قذرة .

لهذه الاسباب كان لابد من الخوض بدراسة دول الشيعة و تأريخهم و سبب ظهورهم و انقظائهم ، و من ثم علاقاتهم السياسية فيما بينهم و بين الدول الاخرى ، و حتى لا يطيل بحثنا و يفقد اهدافه اخترنا دولتين من هذه الدول و هي الدولة البويهية و الدولة الفاطمية ، لكونهما ظهرا في فترة متقاربة و ملكا معظم الدول الاسلامي .

على ان هذه الدراسة حاولت الكشف عن حقائق هاتين الدولتين و عقائدهم و علاقاتهم السياسية بأيجاز و حاولنا أظهار الحقائق بعيداً عن الحقد الطائفي ، و توخينا العلمية التأريخية فيه على ما استطعنا من الحصول على المصادر التأريخية موضوع البحث … و أخيراً فأن الكمال غاية لا تدرك و هي لله وحده .

 

 

   الدولة البويهية –  334  ـ  447         الى الاعلى

 

يعد البويهيون من أقوى السلالات الفارسية التي حكمت ايران و جزء من العالم الاسلامي (( أنذاك )) من حيث حكمها الطويل لعدد من الاقاليم الشرقية للعالم الاسلامي ، و من حيث قدرتها على البقاء في الحكم بظل الدولة العباسية ، فكانت الدولة البويهية دولة في داخل دولة الخلافة   العباسية .

أما اصل البويهين فهم أقوام فارسية سكنوا بجانب قبائل (( الديلم )) القاطنة شمال بلاد فارس * ، و أصل البويهيون و نسبهم يعود الى :- ابو شجاع بويه بن فنا خسروا بن تمام بن كوهيي بن شيروزيل الاصفر أبن شير كنده بن شيرزيل الاكبر ابن شيران شاه شرويه بن شتان شاه بن بسيس فيروز بن شيروزيل بن سنباد بن بهرام جور الملك ابن يزدجرد الملك ابن هرمز الملك ابن شابور الملك ابن شابور ذي الاكتاف ** .

أما تسميتهم فد جائت من والدهم ابو شجاع بويه الذي كان رجلاً صياداً متوسط الحال ، أنجب ثلاثة أولاد و هم ( علي ، الحسن ، احمد ) و الذين عرفوا في ما بعد بالبوبهين *** .

 

 

* د . حسين الجاف ، الوجيز في تاريخ ايران ، بغداد ، 2003 ، ج2 ، ص 87 .

** عز الدين ابي الحسن علي بن ابي الكرم محمد عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بأبن الاثير ، الكامل في التاريخ ، تحقيق ، خليل مأمون شيما ، بيروت 2002 ، ج 5 ، ص 385 .

*** المصدر نفسه ، ص . ص 385 – 386 .

 

لم يكن اولاد بويه ذو علم او لديهم حرفة معينة ، لذا عانوا بعد وفاة والدهم ، و لم يجدوا عملاً غير العمل كـ (( مرتزقة )) في جيوش الامراء المتصارعين و المتنافسين على اقاليم فارس ، و كان من اشهر الامراء في تلك الفترة (( ماكان بن كالي وليلى بن النعمان ، و أسفار شيرويه ، و مرداويج بن زيار ))

، فعمل اولاد بويه مع ماكان بن كالي ، الذي كان مسيطراً على نيسابور و جرجان و طبرستان ، و كان يتقاتل مع مرداويج بن زيار الذي استطاع هزيمته و الاستيلاء على طبرستان و جرجان ** و على اثر ذلك انسحب ماكان بن كالي الى نيسابور ***.

لما رأى اولاد بويه ضعف ماكان كالي و قلة امواله ، خاصة بعد خسارته العديد من الاقاليم و الضياع ،تركوه متوجهين نحو مرداويج بن زيار الذي اصبح اقوى امراء فارس ، و لما وصلوا          الى مرداويج استقبلهم و كرمهم (( خاصة و انهم  جاءوا و معهم بعض الفرسان من جيش بن كالي )) و عينهم كقادة على  بعض النواحي التي كانت بحوزة بن كالي **** ، و اعجب مرداويج بعلي

 

————————————————-

* ابن الاثير ، المصدر السابق ، ص 387 .

** عماد الدين ابي الفداء اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ، البداية و النهاية ، القاهرة ، 2003 ، ج 11 ، ص 150 .

*** المصدر نفسه ، ص 150 .

**** المصدر نفسه ، ص 150 .

 

بن بويه و عينيه على الكرج * حيث ابلا بلاءا حسناً و كسب رضا رجالات الكرج و أهليها ، و بعد ان عين مرداويج القواد على الاقاليم ندم لذلك و تراجع عن قراره فكتب اليهم يستدعيهم ، فخافوا من ذلك الامر ، و هنا تحرك علي بن بويه (( الذي طُلب ايظاً عند مرداويج )) فدعا أؤلئك القواد و اقنعهم بضرورة ترك مرداويج و عدم طاعته لانه ليس ليده عهد ، بل طلب ان يسيرو معه في جيش الى اصبهان، لان الهجوم خير وسيلة للدفاع ، و هنا استدعى علي اخويه فجاءوا و معهم جند قليل ، فسار علي الى اصبهان و دخلها ** ، و لما بلغ مرداويج ذلك غضب و جهز جيشاً لدحر ابن بويه ، و استخدم الحيلة معهُ ، فأرسل اليه يطمئنه و يطلب ان يطيعه *** ، لكن علي بن بويه كان قد علم بمسيرة الجيش فترك اصبهان و توجه الى اذربيجان  *** .

استمرت عملية الكر و الفر بين مرداويج و ابناء بويه ، إلا ان قتل مرداويج على يد أحد الجنود الاتراك الذي قتله ، لتفضيله الديالمة على الاتراك ، و كان ذلك سنة 323 هـ  ***** ، و بمقتله .

 

 

* الكرج :- ميدنة تقع بين همدان و بروجرد ، ينظر ، حسين الجاف ، المصدر السابق ، ص 119 .

** ابن الاثير ، المصدر السابق ، ص 187 ، ابن الكثير ، المصدر السابق ، ص 150 .

*** محمد جسين الزبيدي ، العراق في العصر البويهي ، التنظيمات السياسية و الادراية و الاقتصادية 334 – 447 ، بغداد ، 1969 ، ص 32 .

**** ابن الاثير ، المصدر السابق ، ص 387 .

***** الزبيدي ، المصدر السابق ، ص 32 .

 

 

فسح المجال امام اولاد بويه للسيطرة على بلاد فارس ، فسيطروا على الري و أصبهان و استمروا بتوسعهم نحو الغرب حتى استطاع احمد بن بويه من دخول الاهواز (( جنوب ايران )) ، و هرب الاتراك المسيطرين على هذه الاماكن * ،

اما علي فقد استطاع اخضاع بلاد فارس و ارسل الى الخليفة الراضي ** يطلب اعترافه بسلطانه على فارس فبعث اليه الخليفة بخلعة السلطنة و المنشور مع احد رسله *** ، أما الحسن بن بويه فقد ثبت سلطانه على الري و همدان .

و كان احمد بن بويه الذي اتخذ الاهواز قصراً له يتطلع الى المسير نحو بغداد ، و صار يهاجم واسط و استمر الحال هكذا حتى راسله قواد بغداد طالبين منه المسير الى بغداد بعد ان ساءت حالة بغداد في عهد الخليفة المستكفي ، فزحف احمد بن بويه الى بغداد و دخلها دون مقاومة تذكر، في الحادي عشر من جماد الاول سنة 334 هـ ، و رحب الخليفة بابن البويه ، و خلع عليه و على اخوته الالقاب ،فصار احمد يلقب بمعز الدولة ، و لقب علياً بركن الدولة ، و صار الحسن بعضد الدولة **** .

 

 

* الزبيدي ، المصدر اليابق ، 32 .

** هو ابو العباس احمد المقتدر بن ابي احمد الموفق بن المتوكل ، بويع بالخلافة في الخامس من جماد الاول سنة 322 هـ و بقي خليفة الى ان توفي سنة 329 ، ينظر ، محمد الخضري بك ، تاريخ الامم الاسلامية (الدولة العباسية ) ، القاهرة ، 1970 ، ص 361 ،

*** الزبيدي ، المصدر السابق ، ص 32 .

**** حسين الجاف ، المصدر السابق ، ص . ص 89 – 90 .

 

 

سياسة البويهيون تجاه الخلفاء العباسيين                   

لما دخل البويهيون بغداد ، ضعف مركز الخلافة العباسية ، و استأ ثر بني بويه بالنفوذ و السلطة فأتخذ البويهيون عدة اجراءات ضد بني العباس و هي كالاتي :-

1-  منع الخليفة من التصرف باموال الدولة و الاستيلاء على موارد بيت المال مع تحديد راتب شهري للخليفة العباسي .

2-     انتقال صلاحية تعيين الوزراء و الكتاب الى البويهيين و ليس من حق الخليفة تعين وزير او كاتب .

3-  عدم اشراك الخلفاء و الاخذ برايهم في قضايا ذات علاقة بسيادة الخليفة ، فأصبحت المعاهدات تعقد بدون علم الخليفة و بدون  توقيعه * .

عامل البويهيون خلفاء بني العباس معاملة سيئة و عمدوا الى اذلالهم و التقليل من شأنهم و قد ظهر ذلك جلياً عند قدوم البويهيون الى بغداد ، فبعد اربعين يوم فقط من دخولهم بغداد خلعوا الخليفة المستكفي بالله بطريقة مذلة جداً و قد ذكرها المؤرخون و هي كالاتي :- (( لما كان اليوم الثاني و العشرين من جماد الاخرة ، حضر معز الدولة الى دار الخلافة ، فجلس على سرير بين يدي الخليفة ، و جاء رجلان من الديلم فمد الخليفة يده لهم ظناً من انهم يريدان تقبيلها فمدا ايديهما الى الخليفة فأنزلاه عن كرسيه و سحباه ، فتحربت عمامته في حلقه ،

 

 

* علي الشمري ، الدولة البويهية ، سلسلة دول الشيعة ، مجلة النبأ ، بغداد ، العدد 37 جمادي الثاني ، 1420هـ ، ص 8 ، الزبيدي ، المصدر السابق ، ص 34 .

 

 

و نهض معز الدولة واضطربت دار الخلافة ، حتى خاض الى الحريم ، و تفاقم الوضع ، و سيق الخليفة الى دار معز الدولة فاعتقل بها ، و احضر ابو القاسم الفضل بن المقتدر ، فبويع بالخلافة ، و سملت عينا المستكفي و اودع السجن ، فلم يزل فيه مسجوناً حتى كانت وفاته في سنة ثمان و ثلاثين و ثلثمائة … )) *

و كان سبب ذلك ان قام الخليفة بخلع رئيس الشيعة ، فشفع له قائد الجيش البويهي (( أصفيدوست )) فلم يقبل شفاعته فساءهُ ذلك و ذهب الى معز الدولة و قال (( راسلني الخليفة في ان القاه متنكراً في خف و ازار )) **،اي ان الخليفة طلب منه ان يلقاه متنكراً ليفعل شيئاً ما ضد معز الدولة.

من الواضح ان سياسة بني بويه مبنية على اضعاف نفوذ بني العباس ، و حتى بعد عزل المستكفي و مبايعة المطيع ، زاد امر الخلافة سواء فقد ارسل بختيار *** سنة 361 كتابا الى المطيع يطلب منه مالاً ، لانه كان يقاتل الاهوازيين ، اجابه الخليفة المطيع :- (( الغزو يلزمني اذا كانت الدنيا في يدي وإلي تدبير الامور و الاموال و الرجال و اما الان و ليس لي منها الا القوت القاصر عن كفائي و هي في ايديكم و ايدي اصحاب الاطراف فما يلزمني غزوا و لا حج و لا شيء مما تنظر الامة فيه انما لكم من هذا الاسم الذي تخطبون به على منابركم تسكنون به رعاياكم ً فأن احببتم ان اعتزل ، اعتزلت عن هذا المقدار ايظاً و تركتكم و الامر لكم )) * .

 

 

*   ابن كثير ، المصدر السابق ، ص 183 ، الخضري بك ، المصدر السابق ، ص 382 .

**  الزبيدي ، المصدر السابق ، ص 34 .

*** لختيار :- لقب بـ عز الدولة  و هو ابن معز الدولة ، ينظر ، ابن كثير ، المصدر السابق ، ص 255 .

 

يتضح من هذا النص مدى ضعف بني العباس و مدى تقلص نفوذهم ، و برغم كتاب المطيع هذا ، الا اننا نجد عز الدولة بختيار لم يقنع بما قاله المطيع بل اخذ يهدده و يوعده و يضيق عليه حتى اضطر المطيع ان يبيع ثيابه ، ثم اخذ منه بختيار اربعمائة الف درهم ** ، و لقي الخليفة الطائع ابن المطيع ما هو اسواء من ذلك ، فقام بهاء الدولة بالارسال الى الخليفة الطائع يطلب اموالاً فلم يجبه ، فأتاه بهاء الدولة و معه جمع كثير  ولما دخل جلس على كرسي فدخل بعض الديلم كأنهم يريدون تقبيل يد الخليفة فجذبوه و انزلوه عن سريره و الخليفة يقول (( إنا لله و إنا اليه راجعون )) و هو يستغيث و لا يلتفت اليه احد ، و أخذوا ما في دار الخلافة من الذخائر و نهبوا الدار ، و حمل الطائع الى دار بهاء الدولة حيث ارغم على خلع نفسه و بويع للقادر بالله خلفاً له ، و كان ذلك سنة 381 هـ ، و حلف القادر لبهاء الدولة بالوفاء و الاخلاص *** .

و هكذا مضى البويهيون في غيهم حتى علوا علواً كبيرا و بدؤا يطلبون من الخلفاء ان يمنحوهم الالقاب الفخمة و العالية ، فطلب عضد الدولة من الطائع ان يمنحه الخلع ، و ان يزيد في لقبه لقب

 

 

*  ابن الاثير ، المصدر اليسابق ، ص 64 .

** المصدر نفسه ، ص 64 .

*** المصدر نفسه ، ص 64 .

 

 

تاج الملة ، مضافاً الى لقبه عضد الدولة * ، و طلب صمصام الدولة عن الطائع ان يمنحه  لقب شمس الملة، و طلب شرف الدولة ان يلقب بشاهنشاه ** ، و لقب بهاء الدولة بـ :- (( بهاء الدولة و ضياء الملة و غياث الامة قوام الدين صفي امير المؤمنين )) *** .

اراد البويهيون من خلال منهم هذه الالقاب ، بان يتميزوا عن الامراء و القواد و من ثم الخلفاء ، فحينما يناد بدار الخلافة حضر امير المؤمنين لا يقع تأثيره على السامع كتأثير (( حضر بهاء الدولة و ضياء الملة و غياث الامة قوام الدين صفي امير المؤمنين )) ، و هكذا يتيمز الامير البويهي عن الخليفة العباسي .

لم يتوقف البويهيون عند هذا الحد بل شاركوا خلفاء بني العباس في شارات الخلافة التي كانت تمثل سلطتهم السياسية ، فصارت اسمائهم تذكر مع اسم الخليفة في الخطبة منذ عهد عضد الدولة **** . و شاركوهم في كتابة و نقش اسمائهم على الاموال على ان اول من نقش اسمه هو معز الدولة ، كما  حذفوا لقب امير المؤمنين من (( السكة )) و اكتفوا بذكر اسمه مجرداً من اللقب ، بينما حرصوا على ذكر اسمائهم و ألقا بهم و كنا هم  * .

 

 

*  الزبيدي ، المصدر السابق ، ص . ص 40 – 41 .

** المصدر نفسه ، ص 40 .

*** المصدر نفسه ، ص 40 .

**** محمد جمال الدين سرور ، تاريخ الحضارة الاسلامية في الشرق ، القاهرة 1967 ، 56 .

 

 

و كا نت من شارات الخلافة ايظاً ،ضرب الطبول على ابواب الخلافة في اوقات الصلوات الخمسة ، و قد حاول معز الدولة التمتع بهذا الامتياز لكن الخليفة المطيع لله لم يجبه على طلبه لأعتبار ذلك امتيازاً خاصاً جداً بالخليفة ، لكن عضد الدولة استطاع ارغام الخليفة الطائع سنة 368 هـ على منحه حق ضرب الطبول امام داره ، و لكن ليس خمسة مرات يومياً بل ثلاثة مرات (( الصبح – الظهر – العشاء )) لانة شيعياً مغالياً لا يصلي سوى ثلاثة مرات ** .

و هكذا استمر بني بويه بحسر سلطات الخلافة و إذلالهم ، و كان سبب كل ما فعله البويهيون بخلفاء بني العباس هو عدم استطاعتهم الغاء الخلافة العباسية لأسباب سياسية كما هو واضح من خلال ما ذكره المؤرخون حول ذلك الامر و اليك نصه :- (( … كان بني بويه و من معهم من الديالمة ، كان فيهم تعسف شديد ، و كانوا يرون بني العباس ،  قد غصبوا الامر من العلويين ، حتى عزم معز الدولة على تحويل الخلافة الى العلويين ، و استشارة اصحابه ،                   كان سديد الراي فيهم ، فقال لا ارى لك ذلك . قال و لم ذاك ؟ قال : لان هذا خليفة ترى انت و اصحابك انه غير صحيح الامارة , حتى لو امـــرت

 

 

* عبد العزيز الدوري ، دراسات في العصور العباسيية المتأخرة ، بغداد ، 1945 ، ص 252 .

* الامام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السويطي ، ت
أريخ الخلفاء ، تحقيق ، محمد محي الدين عبد الحميد ، بغداد ، 1987 ، ص 270.

بقتله قتلة اصحابك ، و لو وليت رجلاً من العلويين ، اعتقدت انت و اصحابك ، ولايته صحييحة ، فلو امرت بقتله ، لم تطع بذلك و لو امر بقتلك ، لقتلك اصحابك ، فلما فهم ذلك صرفه عن رأيه … )) * .

 

 

و ترك المعز الامر للعباسين لأجل هذا ، لا لأجل دين يعتقد به ، و يتبين لنا من خلال هذا الرد التاريخي ان البويهيون كانوا يحتقرون بني العباس  و يحسدونهم على الخلافة ، لكنهم مع ذلك كانوا يفضلون مصلحتهم السياسية على اي شيء اخر و هذا هو حال السياسي الفطن الذي يعرف كيف يسير اموره على ان العباسين لم يكونوا صامتين و لا خاضعين لبني بويه كل الخضع ، بل انهم ايضاً عاملوا البويهيون بسياسة ذكية و ان كانت قوتهم ضعيفة ، و ان جردوا من صلاحيات و سلطات كثيرة ، كانوا يطالبون دائماً بحقوقهم و يتصدون لسارقي امتيازاتهم ، فكان القضاء خاضعاً لهم ، فهم الذين يعينون القاضي او يقيلوه ، و بقي هذا الامر لهم رغم محاولات بعض البويهيين لأخذه منهم .

 

 

 

* ابن الاثير ، المصدر السابق ، ص 183 .

** الزبيدي ، المصدر السابق ، ص 41 .

 

 

الفتنة الطائفية في عهد بني بويهية :-              الى الاعلى

 

البويهيون شيعة زيدية * في التشيع و يتضح ذلك جلياً للباحثين لهذا الامر ، و سياستهم اتجاه خلفاء بني العباس الذين كانوا يعتقدوهم مغتصبين للخلافة من العلويين و ما ان دخلو بغداد حتى بداؤ سياستهم العنصرية اتجاه اهل السنة و الجماعة ، و قد ابتدع البويهيون في الدين الاسلام الحنيف بدعاً ما انزل الله من سلطان ، و من هذه البدع الكثيرة لطم الخدود و شق الجيوب و اعلان الحداد و لبس السواد و البكاء و النياح في ذكرا مقتل سيدنا الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهما ، في العاشر من محرم من عام 352 هـ امر معز الدولة بن بويه ان تغلق الاسواق و ان بلس النساء ( المسوح ) من الشعر و ان ينحرجن في الاسولق حاسرات عن وجوهن ناشرات شعورهن يلطمن وجهن ينحن على الحسين ، و في عشرة من ذي الحجة امر معز الدولة بني بويه بأظهار الزينة في بغداد و ان تفتح الاسواق في الليل كما في الاعياد و ان تظرب الطبول و البوقات و ان تشعل النيران في ابواب الامراء فرحاً بعيد الغدير ( غدير خم ) ** .

كــــانت هذا اول :- بــــدعــــة ابتدعــــها البويهـــيون ، و بالــــطبع فــــأن

 

 

 

* يتول ابراهيم العباسي ، تطور الاصات السياسية بين العباسيين و الفاطميين ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية الاداب جامعة بغداد ، 1973 ، ص 141 .

** ابن الاثير ، المصدر السابق ، ص . ص 210 – 211 .

 

 

اهل السنة لن يقفوا مكتوفي الايدي تجاه هكذا مشاعر ، و هذا لم يكن الا بداية الاقتتال و الاحتقان الطائفي الذي لم تشهده بغداد قبل مجيء البويهين ، و قد قام معزالدولة البويهي بأصدار امر الى الجماعة بكتابة ما نصه .. (( لعن الله معاوية بن ابي سفيان و لعن من غصب فاطمة رضي الله عنها ( قدكا ) و من منع ان يدفن الحسن عند قبر جده عليه السلام و من نفا اا ذر الغفاري و من اخرج العباس من الشورى )) * و بتعليقها على مساجد بغداد ، و قد قام اهالي بغداد بمسح هذه العبارات ، فعتاظ معز الدولة لذلك و امر باعادة كتابتها ، لكن وزيره ابو محمد المهلبي اشره عليه بان يكتب ما محي لعن الله الضالمين لأل رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا يذكر احد في اللعن الا معاوية ففعل ذلك ** .

و جراء هذه الاعمال فتن الناس في بغداد ، و حدثت حوادث الاقتتال الطائفي في العديد من السنوات *** ،

 

 

* الخضري بك ، المصدر السابق ، ص 382

** المصدر السابق ، ص 382 .

*** ينضر السنوات ، 353 ، 363 ، 382 ، 384 ، 392 ، 393 ، 398 ، 406 ، 407 ، 408 ، 422 ، 437 ، 441 ، 443 ، 444 ، 445 هـ ، ابن الجوزي ،المنتظم ، نقلاً عن ، العباسي ، المصدر السابق ، ص 144 ، ابن الاثير ، المصدر السابق ، تنظر الصفحات 183 – 193 – 205هـ .

 

 

فيذكر لنا ابن الكثير في كتابه البدية و النهاية من هذه الحوادث ما يتعجب له الباحث ، في وقائع و فتن و مصائب حلت بأهالي بغداد في زمن البويهيون الذين عملوا على اذكار نار الفتنة ، و لكثرة الاقتتال الطائفي وصفا الناس في بغداد فنموا الى ( سنة و شيعة ) و قسمت بغداد الى قسمين ، كرخ و رصافة ، فصارت الرصافة للسنة  و الكرخ للشيعة ، و طبعاً حينما كانت تقع الاحداث الطائفية كان يقل المئات من الاهالي ، لذا فمن الطبيعي ان تهجر العوائل القاطنة على الحدى الجانبين الى الجانب الاخر ، و اليك هذا النص التأريخي لأبن كثير :- (( ثم دخلت سنة احدى و ستين و ثمانمائة ، في العاشر المحرم منهات عملت الروافض بدعتهم …و في المحرم اغارت الروم على الجزيرة و ديار بكر فقتلوا خلقاً كثيراً من اهل الرقا ، حتى وصلوا نصين و لم بغن عن تلك النواصي ابو تغلب بن حمدان متوليها مشياً … عند ذلك ذهب اهل الجزيرة الى بغداد و ارادوا الدخول على الخليفة المطبع لله و غيره يستنصرونه و يستصرخون ، فرشا لهم اهل بغداد و جاوؤا معهم الى الخليفة فلم يكمن ذلك ، و كان بختيار معز الدولة مشغولاً بالصيد فذهبت الرسل وراءه سبكتسكين يستنفر الناس ، فتجهز خلفه كثر من العامة ، و لما تجخزة العامة للغزاة و قعت بينهم فتنة شديدة بين الروافض و اهل السنة ، و احرق اهل السنة دور الروافض في الكرخ و فالوا : الشر كله منكم … )) * .

و هكذا كانت الفتنة شديدة فبينما كانت ديار الاسلام تتعرض للغزو و السلب و النهب و القتل و الخراب

 

 

* ابن كثير ، المصدر السابق ، ص . ص 137 – 238 .

 

 

على يد الروم كان حكام العالم الاسلامي مشغولين بأذكاء الفتنة الطائفية و محاربة بعضهم للبعض ، ففي ذلك الوقت كانت هناك :- (( الدولة البويهية و الدولة الحمدانية و الدولة الفطامية و دولة القرامطة )) و كانت هذه الدول كلها دول شيعية ، و هي التي تحكم العالم الاسلامي (( بستثناءالدولة الاموية في الاندلس )) .

اما علاقة هذه الدول بعضها البعض فكانت علاقات متشددة و متصارعة فيما بينها لاجل كسب اقليم او السيطرة على منطقة او محاولة اسقاط الواحدة الاخرى ، و هذا ما سنتطرق اليه في الفصول القادمة .

 

الحرية الدينية للشيعة في العهد البويهي ((علماء الشيعة في العهد البويهي )) :

منح الشيعة حرية كبيرة في ممارسة بدعهم و خرافاتهم و التي جاء بها البويهيون ، و نتيجة لهذه الحرية فقد انشر علماء شيعة حاولوا ايجاد الذرائع و الحجج لمذهبهم و وجدوا من اسرة ال بويه خير ملاذ لهم ، و من اهم هؤلاء العلماء الذين ظهروا في فترة البويهين :-

1-  محمد بن يعقوب الكليني :- و له كتاب ( الكافي ) عاش في فترة البويهين و انتهت اليه رئاسة فقهاء الشيعة ايام المقتدر .

2-     محمد بن الحسن الطوسي :- و له كتاب تهذيب الاحكام بمجلدين و كتاب الاستبصار .

3-  الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان المعروف بإبن المعلم . إنتهت اليه رئاسة الشيعة ، و كان له صولة و جولة في عهد عضد الدولة البويهي ، من كتبه :- الاعلام فيما اتفقت الامامية عليه من الاحكام ، الارشاد ، الرسالة ، المقنعة ، الامالي ، اصول الفقه * .

 

 

* محمد البنداري ، التشيع بين مفهوم الائمة و المفهوم الفارسي ، عمان 1988 ، ص 60 .

 

 

نهاية البويهيون :-               الى الاعلى

 

رأينا ما وصلت اليه امور الخلافة الاسلامية في عهد بني بويهية من تمزق و تشرذم و صراعات و فتن طائفية ، بينما كان بني بويه مشغولين باذلال الخلفاء العباسيين  و بحصولهم بلالقاب الفارغة و بزخهم الاموال على المهرجانات السخيفة * ، و لما كان هذا حالهم فالطبع تحدث في ما بينهم الخلافات و الانشقاقات و التصارع و التكالب على السلطة .

بدأ الصراع السياسي للبويهين على السلطة ، بعد وفاة عضد الدولة 387 هـ ، حيث امر لابنه مجد الدولة و الذي لم يكن يتجاوز الرابعة من عمره ، فقامت بالامر عنه امه سعيدة خاتون بنت اسبهبد رستم بن مرزبان ** ، و التي كانت هي الحاكم الفعلي ، حيث شهدت فترتها و فترة ابنها ضياع اقاليم الشرق (( طبرستان ، جرجان ، الري ، نيسابرو ، … )) من سلطة البويهين ، و ما ان بلغ مجد الدولة سن الرشد ، حتى اخذ يضيق الخناق على امه ، و اراد قطع يدها في الحكم ، لكنها هربت الى احد الامراء و هو بدر بن حسنوية الذي كان يحكم امارة خوزستان ، فستقبلها و جهز جيشاً قوياً الى مجد الدولة حيث اقتل الابن و الام ، و دحر جيش مجد الدولة ، و وضعت سعيدة خاتون ابنها الثاني شمس الدولة على اخيه على العرش سنة 390 هـ *** ، ثم تولى الامر من بعده

 

* ينظر ابن الكثير ، المصدر السابق ، ص 184 .

** حين الجاف ، المصدر السابق ، ص 93 .

*** المصدر السابق ، ص 93 .

 

 

صمام الدولة ، الذي لم يكن ييعترف بسعيدة خاتون و لا بأبنائها (( من ابيه )) ، لكن الصراع هذه المرة حدث بين الاشقاء فقد تصارع صمصام الدولة مع اشقائه شرف الدولة و كان صراعاً مريراً استمر من 373 هـ – 411 هـ * ، حيث استقر الامر لشرف الدولة ،حتى توفي سنة 415 هـ ، حيث آل الامر الى جلال الدولة ابنه ، الذي شهد عصره نزاع بين العديد من امراء بني بويه و هم (( ابو الفوارس الذي كان يسيطر على بلاد فارس ، و ابي كاليسجار الذي كان يسيطر على جنوب العراق ، و استقر الامر في النهاية لأبي كاليسجار الذي لم يعد حكمه اكثر من خمسة سنوات ** ، ثم خلته   اخر ملوك بني بويه و هو ابو نصر خسر و الملقب بالملك الرحيم 441 هـ – 447 هـ ، و في عهده دخل السلاجقة بغداد سنة 447 هـ *** .

 

 

 

* ابن الاثير ، المصدر السابق ، ص 177 .

** حسين الجاف ، المصدر السابق ، ص 97 .

*** المصدر نفسه ، ص 97 .