نبذه تاريخية عن محافظة المثنى (السماوة )

محافظة المثنى
تعد المثنى ثاني أكبر محافظة عراقية من حيث المساحة لكنها ربما الأقل من حيث السكان. بمساحة 51740 كيلو مترا مربعا.
نبذة عن تاريخ المدينة
تعد محافظة المثنى من المناطق التي سكنها الانسان القديم منذ أقدم العصور التاريخية وما قبلها فقد وجدت آثار مستوطن المنطقة في العصر الحجري القديم في منطقة (وادي القصير) على بعد كيلو مترين فقط جنوب غربي قلعة القصير في بادية السماوة الجنوبية .

وقد انتقل إنسان وادي الرافدين من عصور ما قبل التاريخ إلى حياة التمدن والحضارة . وللمرة الأولى في تاريخ الانسان بمختلف عناصر الحضارة المميزة بظهور الوركاء حيث بداية ظهور المدينة ونظام الحكم والكتابة والتدوين والقوانين المنظمة للحياة الاجتماعية والفنون والآداب وأسس المعرفة الأخرى .. والممارسات في المعابد والكهنة .. إضافة إلى تطور الزراعة ونظام الري وبداية السيطرة على البيئة واستثمار إمكانياتها .. وبذلك تعد الوركاء انطلاقة الثورة الحضارية في وادي الرافدين ومنه إلى العالم اجمع .. كما ان السومريين عاشوا في الوركاء في الألف الخامس ق.م وأسسوا فيها دولة قوية ازدهرت في الألف الرابع قبل الميلاد وقد خلدوا فيها آثارا حضارية شامخة حتى وقتنا الحاضر تشهد لهم بالتقدم وحضارتهم بالرقي والخلود . وتقع إطلال مدينة الوركاء تلكم المدينة العريقة على بعد كيلو متر واحد من مركز ناحية الوركاء الحالي و60 كيلومترا من قضاء السماوة. ويصل إليها الزائر بواسطة السيارة من ناحية الوركاء . وهي على بعد 60 كيلو مترا من هور (اللـﮔـطـة) المشهور بزرقة مائه، كما وتشتهر محافظة المثنى بـ بحيرة ساوه وهي بحيرة مغلقة ذات ماء مالح محاطة بحائط كلسي طبيعي يعيد غلق نفسه عند كسره لسرعة تصلب المادة الكلسية الموجودة بالماء كما وتحوي اسماكا صغيرة جدا عالية الشحوم إذ تذوب بالكامل عند محاولة طبخها وتتزود هذه البحيرة بالماء من تدفق المياه الجوفية تحت الأرض .

وتقع محافظة المثنى في المنطقة الجنوبية من العراق وتحدها من الشرق محافظتا البصرة وذي قار ومن الغرب المملكة العربية السعودية وجزء من بادية النجف ومن الشمال محافظة القادسية وجزء من محافظة النجف ومن الجنوب العربية السعودية وجزء من محافظة البصرة والكويت . وقد مرة هذه المنطقة أسوة ببقية مناطق العراق بأدوار تاريخية عديدة ، إذ تعرضت للاحتلال العثماني والفارسي والبريطاني فعانت ما عانت من ضروب التخلف والظلم والاستغلال وقد ركبها الجهل وفتك بها المرض فوهنت وعشعشت فيها الخرافة ردحا ليس بالقليل.

وتتألف محافظة المثنى من أربعة أقضية وهي :
1- قضاء السماوة وفيه مركز المحافظة وترتبط به ناحية السوير .
2- قضاء الرميثة وترتبط به ناحية الوركاء وناحية المجد وناحية الهلال وناحية النجمي .
3- قضاء الخضر وترتبط به ناحية الدراجي و ترتبط به قرية الهويشلي .
4- قضاء السلمان وترتبط به ناحية بصية .
الحالة الاقتصادية
محافظة المثنى يسودها الطابع الزراعي إلا أنها اشتهرت ببعض الصناعات المحلية اليدوية المتميزة كالنسيج الخاص بالمداد والبسط (الغلايج) وتطريز الأزر الذي اخذ الطابع الفولوكلوري المتوارث في التصاميم والألوان والذي كان يرافقه حكايات الجدات للأحفاد والصغار والكبار الملتصقين بدائرة الدفء حول الموقد او (المنقلة) في الليالي الباردة من الأيام الخوالي على ضوء الفانوس او (اللالة) تتحدث عن الفتوة والفداء والبطولة .. وتكثر في المحافظة وفي السماوة خاصة الأملاح – ملح الطعام – حيث توجد فيها أكبر ممالح في العراق وأغزرها إنتاجا .. وتكثر في السماوة الأسمنتية وتطورت تطورا كبيرا في سنوات معدودة ، إضافة إلى بعض الصناعات النفطية والمداجن ومعامل الأعلاف وخياطة العبي الرجالية التراثية التي تشتهر بها عشيرة الشنابرة وما إلى ذلك من مشاريع في طور النهوض .
السكان
يبلغ عدد سكان مدينة السماوة أكثر من 850 الف نسمة. وتسكن المحافظة مجموعة كبيرة من العشائر العربية العريقة والتي استوطنت المنطقة منذ أمد بعيد، فهناك عشائر بني حجيم ومن عشائرها من سكنة السماوة وهي آل بو جياش والتي تتفرع إلى:
1- الشنابرة
2- آل بو جراد
3- آل زويد
وغيرها وهناك عشيرة كبيرة تسكن السماوة وهي عشيرة آل زياد والتي تسكن غرب وشمال وجنوب غربي مدينة السماوة وتتوزع إلى بطون عدة وهي :
1- آل بلحة
2- الدراوشة
3- آل عصيدة
4- آل ديم
5- آل بو حمد
6- آل بو حسان
وتسكن في مركز مدينة السماوة ايضا :
1- ال غريب
2- ال ديبس
3- الحمداني.
وتسكن قضاء الرميثة عشائر بني عارض والخزاعل والظوالم وآل أبي حسان و بني زريج أما الآنفة الذكر استوطنت المحافظة بعض العوائل التي تنتمي إلى عشائر اخرى . وقد استوطنت هنا طلبا للرزق منذ أمد بعيد .
لماذا سميت بالسماوة
لكلمة السماوة معان عدة أوردتها معاجم اللغة وكتب التاريخ فقد أورد الحسني عن ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان ) 1429 م إنما سميت سماوة لأنها ارض مستوية لا حجر فيها . وأما المنجد فيورد ان سماوة فلك البروج . وسما على وارتفع . ويوضح الشيخ احمد رضا في كتابه معجم اللغة ان سما وة : الشيء العالي لذا طرفها العالي . وتورد بعض المصادر التاريخية ان المنطقة التي تمتد فيها مدينة السماوة حاليا قد نشأت فيها قبل الإسلام مدينة أسمتها المصادر (اليس) وكانت محطة استراحة للجيوش العربية ومقر تجمع المقاتلين من أبناء القبائل العربية التي حاربت الفرس وقاومت نفوذهم إذ شهدت أرضها معركة كبيرة بين العرب بقيادة خالد بن الوليد وبين الفرس بقيادة جابان عظيم العجم المقيم في (اليس) وقد ذكر ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان (اليس- الموضع الذي كانت فيه الواقعة بين المسلمين والفرس في أول ارض العراق من ناحية البادية .. وقال البلاذري :- وكان المثنى بن حارثه مقيما بناحية (اليس) يدعو العرب للجهاد.
أما في العصر الحديث فقد وردت أقدم إشارة عنها في الوثائق العثمانية عام 1494م وتصفها بأنها قرية زراعية تقع على شط العطشان وهو نهر الفرات الأصلي الذي تحول عنها عام 1700 إلى مجراه الحالي اثر فيضان كبير غمر المنطقة، كما أنها خضعت لسلطة الصفويين عام 1662م في زمن الشاه عباس الأول وعززوا حمايتهم العسكرية فيها عام 1625 م بعد انتصارهم على بكر صوباش ، وفي عام 1758 م مر بها الطبيب البريطاني الرحالة ايفز وجماعته في طريقهم من البصرة إلى الحلة فمر بنهر الكريم الحالي وكان المجرى الأساس الجنوبي للفرات حينذاك فوجدها بلدة مسورة بيوتها من طين .. ومما يذكر ان سورها الذي كان يحميها من غارات البدو والوهابيين تم تهديمه عام 1937م نظرا لانتفاء الحاجة له وتوسيع المدينة . وفي عام 1765 م مر بها الرحالة الألماني (نيبور) وهو في طريقه إلى النجف الاشرف، وأشار إلى أنها مدينة مبنية من الطين وفي باديتها ملح كثير وتنتشر في المنطقة المواقع الأثرية إذ ان عددها قد بلغ 33 موقعا اثريا تتراوح أزمانها بين 3200ق.م إلى العصور الإسلامية الحديثة.
الوركاء.. عاصمة السومريين الخالدة

قبل أن ينحسر عنها نهر الفرات الذي كانت تقع عليه ، ليتجه شرقاً شاطراً مدينة السماوة الى نصفين ، تاركاً الوركاء لتبتعد عنه بحوالي(12 كم )غرباً حيث تلوح للرائي على شكل أسنمة من التراب هي بقايا تلك المدينة التاريخية العظيمة من التلول والمرتفعات التي تبلغ مجموع مساحتها(7 كم2) متزرة بسور طوله حوالي( 9.5كم) وقد تم تسييج المدينة من قبل القوات اليابانية بأسلاك (B.R.C) للحفاظ عليها من لصوص الآثار.

والوركاء كما يستدل من آثارها، مدينة ذات أهمية في العهد الشبيه بالكتابي، وهي من المدن العراقية الضاربة في القدم يرجع تأسيسها الى زمن فجر السلالات (الألف الخامس ق.م) وكانت قد عرفت واشتهرت منذ (الألف الرابع ق.م) كمدينة جليلة، بل هي من أجمل المدن السومرية، لكونها واحدة من المراكز الدينية المهمة في ذلك العصر، وقد استمر السكن فيها حتى صدر الإسلام.
مدينة كلكامش اقترن اسمها بملحمته الخالدة ولد فيها حرف الكتابة الأول وذكرها الطبري في تأريخه والحموي في معجمه وما التسمية العربية الحالية (الوركاء) إلا تحريفاً للاسم السومري القديم (أوروك).
أوروك البداية
يقول الكاتب والباحث حامد فاضل في نحو سنة(3000 ق.م) ابتدأ التأريخ في أوروك وغيرها من المدن السومرية في جنوب العراق، فدونت الحوادث التأريخية، كالحروب،وسير الملوك، وأعمالهم العمرانية. وقد ورد في ثبت الملوك أسماء أثني عشر ملكاً من السلالة الأولى التي حكمت في أوروك، وأكثرهم كان من صنف الآلهة، أو من أشباه الآلهة وقد أشارت الأساطير الى بعضهم، وأشهرهم كلكامش المشهور بالملحمة التي عرفت باسمه، وقد ورد ذكره في الكتابات القديمة المكتشفة في الوركاء مقترناً ببناء أسوار المدينة،كما اشترك في بناء معبد (أي- ننا).
ويذهب فاضل الى أن كلمة مدينة باللغة السومرية تلفظ (أورو) ومقدسة تلفظ (كو) وبذلك يكون لفظ المدينة المقدسة (أوروكو) ومن هذه التسمية جاء اسم (أوروك) واسم العراق، لأن المدن السومرية جميعها كانت توصف بالمقدسة وهناك على ما يبدو خيوط خفية تربط بين اسم (نينوى) و(اوروك) وأسم (العراق) ولعل مرد ذلك مرتبطاً بأول استيطان بشري عرفته منطقة الأهوار واليابسة من أرض الدلتا المحاذية للأهوار.
الوركاء على مر العصور
ويقول القاضي علي الحميدي “لقد سكنت الوركاء بتعاقب العصور، والحضارات، من قبل السومريين فالاكديين فالبابليين فالكيشيين الذين شيدوا فيها المعابد والقصور، وكانت لهم حضاراتهم الزاهية.
واضاف الحميدي “حكمت الوركاء من الأشوريين، فالكلدانيين، فالفرس الأخمينيين كما أنشأ فيها الأغريق ، والسلوقيون ، والفرثيون ، بنايات ضخمة ما تزال بقاياها جاثمة في التلول وقد ميّز المنقبون سبعة أدوار تأريخية رئيسية، قسموها الى طبقات ثانوية ، بلغ مجموعها اثنتي عشرة طبقة..أعلى طبقات المدينة هي التي تنتشر فيها الأبنية الفرثية والساسانية.. وأعمق تلك الطبقات التأريخية تعود الى العصر الأكدي، ثم ان المنقبين ميزوا تحت تلك الطبقات الأثنتي عشرة، ثماني عشرة طبقة أخرى تعود الى ما قبل التاريخ أعلاها، طبقة عصر فجر السلالات ، أو ما يسمى بعصر( لجش) وفي أخرها وهي الطبقة الثامنة عشر، انقطعت اثار السكنى ، وبانت الأرض الغرينية البكر وفي عصر العبيد( 4000ق.م) تقدمت المدينة في مضمار الحضارة وتجلت منذ منتصف (الألف الرابع ق.م) أي في عصر أوروك نسبة الى أسم المدينة، فتقدم فن العمارة،وشيدت المعابد،وكان أكثرها مزداناً بالفسيفساء المؤلفة من مسامير الفخار المصبوغة بألألوان الزاهية – والتي ما تزال موجودة ولم تتغير حتى الآن- كما تحسنت الصناعات والتعدين والصياغة، فنقشت الألوان الحجرية، والمسلات، والإنية المنقوشة نقشاً بارزاً ، والمطعمة بالصدف،والأختام، كما اثبتته الكتب التاريخية”.
بيت السماء
واوضح الحميدي انه من أهم المعابد التي اكتشفت في الوركاء ، معبد (آنو) الذي أقيم لآلهة السماء في القسم الغربي من المدينة ، ومعبد(أي – ننا )الكبير الذي أقيم لآلهة السماء (أنين) في القسم الشرقي منها، وهو أكبر معبد بني على اليابسة في أرض الدلتا في الوركاء ما قبل التأريخ (ما تزال آثار المعبدين محافظة على الكثير من ملامحها حتى الآن)، وقد كانت معابد الآلهة الكبار مبثوثة على السواء في كل من المنطقتين السومرية الجنوبية، والشمالية الأكادية، على أن معابد سومر كانت عرفاً أقدم من معابد ( أكاد) وكان الأله الأعظم (أنا) (أنو) (رب السماء) معروفاً ومهيمناً ومرموزاً له بنجمة واحدة، أما سائر ألآلهة ، فهي جيش السماء مجموع ما يرصعها من كواكب . وقد كرمه السومريون في الوركاء بزمن مبكر سبق سواه على ما يظهر . وذلك في معبد( أي- أنا)أي مسكن(أنا)(آنو)او(بيت السماء ) … وأصبح هو ألاله الاعظم عند السومريين ، والساميين على حد سواء، وهوعندهم رب السماوات العلى.
ويؤكد القاضي علي الحميدي في احد كتبه “على العلاقة بين معبد (أي – أنا) وأصل تسمية السماوة منطلقاً من الكيفية التي استبدل فيها اللفظ السومري ، بآخر سامي. حيث أستبدل لفظ (رب السماء ) من السومرية الى معناه ليلفظ (سامي) وهو (سموي)الذي نعتت به أرض السماوة ، والذي يظنه الحميدي أن تأثير الإله (سموي) وانتشاره الى ما هو أبعد من السماوة، كان في الغالب نابعاً من معبد الوركاء الكبير معبد(رب السماء) الذي دعاه حمورابي في مقدمة شريعته (الإله الأعظم) وجعلوا مقره الذروة من قبة السماء.
استئناف التنقيب
يقول علي عبيد شلغم مفتش آثار محافظة المثنى:أن الكثير من الرحالة والمنقبين مروا في الوركاء وذكروها في تأليفهم، وأقدم من نقب فيها الجيولوجي الانكليزي وليم لفتس عام 1849 ثم أوفدت المؤسسة الألمانية للأبحاث الشرقية المهندس يوليوس يوردان الذي اشتغل فيها زهاء ستة أشهر من عام 1912-1913 .. وفي عام 1928 استأنفت البعثة الألمانية أبحاثها في هذا الموضع برئاسة نولدكه ، وثابرت في التفتيش والتنقيب شتاء كل عام وذلك حتى مطلع الحرب العالمية الثانية 1939وفي عام1953أستأنفت البعثة الألمانية عملها لموسمها الثاني عشر في الوركاء..

وقد رسمت البعثة خارطة المدينة وخرائط عديدة للبنايات التي كشفت عنها، وقد أسفر التنقيب في أطلال المدينة عن معرفة الكثير من ماضيها،والعثور على أشهر أبنيتها ، ومعابدها،وأدوار السكنى فيها إضافة الى مكتشفات آثارية استظهرتها البعثة من بين طياتها وهي مهمة جداً بينها ألواح منقوشة وتماثيل بديعة من الحجر مزخرفة ومنقوشة وكتابات عديدة تاريخية وأدبية وأسطورية ودينية وعلمية وتجارية..وأغلب هذه الآثار عثر عليها بوجه خاص في حجر المخزن في السور الداخلي لمعبد(أي- أنا)من الطبقة الثالثة التي يرتقي زمنها الى عصر جمدة نصر،وكل هذه الآثار، أنارت السبيل لمعرفة حضارة السومريين سكان العراق القدامى وتأريخهم.
ودعا شلغم الدوائر المعنية بزيادة الاهتمام بموقع المدينة التاريخية ومنع عمليات العبث والحفر العشوائي قربها مع تنظيم زيارة الافواج السياحية اليها واجراء عمليات التنقيب فيها للكشف عن بقايا الآثار المخفية تحت تربتها.